أن تعود إلى ما كتبه المرحوم سيد قطب في ذلك في كتابه «التصوير الفني في القرآن».
المظهر الخامس: التنويع في الاستهلال بالقصة ووضع المدخل إليها، وأنت تعلم أن أهم مظاهر التشويق في القصة ينبغي أن يكون متجمعا وبارزا في أولها، حتى يندفع القارئ بذلك إلى المضي في استطلاعها والتأمل في مختلف مراحلها.
فالقصة في القرآن، تبدأ في كثير من الأحيان، بأغرب مشهد يلفت النظر فيها، حتى إذا أثار ذلك انتباه القارئ، انطلق البيان القرآني في عرض سائر مشاهدها المتلاحقة، وقد يكون هذا المشهد الذي أقيم في مدخل القصة، متأخرا من حيث سلسلة الوقائع والأحداث المتلاحقة فيها، فيعمد البيان القرآني العظيم إلى استدراك ما تركه من قبل، ويعرضه خلال القصة بمناسبة ما، وفي إطار يزيد من جمال العرض وروعته.
ولنقرأ- مثالا لذلك- قصة موسى وفرعون في أول سورة طه. انظر إلى هذا المشهد الذي افتتح به مدخلا للقصة:
وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً [1].
لا ريب أنه كما ترى، مشهد يلفت النظر ويبعث على الانتباه والتطلّع إلى ما وراءه. ولكن البداءة به فوّتت- كما ترى- على القارئ معرفة ما سبق ذلك من الأحداث؛
فيستدركها البيان القرآني في ثنايا العرض ويصوّرها للقارئ وكأنها قصة ضمن قصة.
وانظر كيف حانت المناسبة، وكيف عادت القصة إلى عرض الأحداث من أولها بمناسبة معينة. فعند ما ذهب موسى إلى حيث رأى النار المشتعلة، سمع هناك نداء الله عزّ وجلّ يكلّمه ويضعه أمام مسئولية الرسالة التي سيكلف بها، [1] طه: 7.