تفصيليا تضمن حياة يوسف وتاريخها منذ طفولته إلى وفاته، وإنك لتجد في عرضها كثيرا من الصور الجزئية يتناولها القرآن بالكشف عنها، مما لا تكاد تجده في عرض القصص الأخرى. والمقصود من ذلك تنبيه الأذهان إلى الوحي الذي يؤيّد به الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فيطلعه على ما لم يكن يعرف من قبل.
ومن قبيل الثاني قصة مريم في سورة آل عمران، وقصة ولادة عيسى عليه الصلاة والسلام في سورة مريم. ففي كلّ من السورتين سرد تفصيلي للقصة وسير طبيعي مع مراحلها الواقعية، وكشف لمختلف الجوانب المتعلقة بها، إذ الغرض من عرض القصتين تصحيح ما ادّعاه بعض أهل الكتاب من بنوّة عيسى بن مريم لله عزّ وجلّ، فاقتضى ذلك عرض حقيقة الواقعة عرضا مفصّلا شافيا يزيل الغموض والإشكال ويكشف بطلان ما توهمه بعض الناس.
المظهر الثالث: إقحام النصائح والعظات في ثنايا القصة، وهو مظهر عام يشمل شتى الموضوعات القرآنية كما أوضحنا فيما مضى.
فالقرآن لا يدع القارئ يندمج مع موضوع من مواضيعه وينصرف إليه بكل تفكيره، دون أن يفصل بين أجزائه بفواصل من العظات تنبهه إلى المقصود من كل هذه المباحث، وتربط على قلبه برباط من الخشية والمراقبة الإلهية عند قراءتها والتأمّل فيها.
فمن أجل ذلك لم تكن في القرآن فصول خاصة في التشريع، وفصول خاصة في سرد المغيبات من جنة ونار وما يتعلق بهما. وقد أوضحنا هذا عند الحديث عن خصائص الأسلوب القرآني فارجع إليه إن شئت.
ولنضع أمامك الآن بعض الأمثلة لدمج عبارات الموعظة والتذكير بخشية الله في ثنايا القصة وخلال سردها.
يقول الله تعالى في سورة طه، أثناء عرضه لقصة موسى مع فرعون:
قالَ فَمَنْ- رَبُّكُما يا مُوسى، قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى، قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى، قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ