والكفر، وأنهم من أجل ذلك عزموا على أن يعتزلوهم ويخرجوا من بينهم. ثم تمضي القصة على هذا المنوال.
فمن هم هؤلاء القوم؟ وفي أي بلدة كانوا يسكنون؟ وكم كان عدد هؤلاء الفتية؟ وما هي أسماؤهم؟
هذه أسئلة كان من مقتضى السرد التاريخي أن تجيب القصة عنها، ولكنها لو أوضحت ذلك وسارت في تتمتها على هذه الطريقة لما وفت بالغرض الديني الذي تستهدفه، ولانصرف فكر القارئ إلى تتبّع أحداث تاريخية يريد أن يعرفها، ولغفل بذلك عن العبرة والعظة التي سيقت القصة من أجلهما.
وعند ما يقصّ علينا القرآن قصة خلق آدم، وسكناه في الجنة ثم نزوله إلى الأرض، لا يتحدث عن وصف نزوله إلى الأرض وحياته فيها بأكثر من قوله:
قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ، فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى [1].
ففي أي مكان من الأرض نزل؟ وكيف كانت معيشته وسكناه إذ ذاك؟
إن الاجابة على مثل هذه الاستيضاحات، وإن كانت مما يتشوف إليه الفكر، من شأنها أن تقصي القارئ عن الانتباه إلى المقصود من سرد القصة. فحسبه، لكي لا يشتّ ذهنه وراء الأحداث التاريخية، أن يعلم من القصة ما يحمله على الانصياع للمقصد الديني الذي تنطوي عليه.
ولكن ربما اقتضى الغرض في بعض الأحيان أن تسرد القصة من أولها إلى آخرها، وأن يسير البيان القرآني في عرضها بأسلوب يتتبع سلسلة الوقائع والأحداث مع التعرّض لبيان كثير من جزئيات القصة التي لا تكاد تنطوي في الظاهر على عبرة أو فائدة توجيهية. وذلك عند ما يكون الغرض الرئيسي هو إثبات الوحي الإلهي وتأكيد نبوّة الرسول عليه الصلاة والسلام، أو عند ما يكون الغرض تصحيح قصة أو حادثة تاريخية وقع فيها خلط أو لغو.
فمن قبيل الأول، قصة يوسف عليه السلام، فقد عرضت عرضا [1] طه: 123.