أولا: الإعجاز اللفظي أو البلاغي:
وإنما نقصد بهذا الوجه بديع نظمه، وعجيب تأليفه [1] وسمّوه في البلاغة إلى الحد الذي يعجز الطوق البشري عن الإتيان بمثله. وأنت تعلم أن البلاغة إنما تعني مطابقة الكلام لمقتضى الحال ودقة اللفظ في انطباقه على المعنى المراد.
والإنسان مهما أوتي من القدرة البيانية لا يستطيع أن يسمو إلى ذروة هذه الغاية للأسباب والعوائق التي سنتحدث عنها إن شاء الله.
واعلم أن إعجاز القرآن من هذا الوجه حجة- بشكل مباشر- على العرب وحدهم، لأنهم هم الذين يدركون هذا المعنى فيه. إلا أن العرب حجة، بدورهم، على سائر الناس، لأنهم إذا رأوا أن أرباب هذه اللغة وأدباءها قد قصر بهم الطوق عن إنشاء مثله، أدركوا أنه معجز وأنه ليس مما يقدر عليه البشر [2].
مصدر الإعجاز البلاغي في القرآن:
وقبل أن نتحدث عن مظاهر الإعجاز البلاغي في القرآن، يجدر بنا أن نبين في كلمة جامعة أساس الإعجاز البلاغي ومصدره، في هذا الكتاب العظيم. فإن لهذه المظاهر التي سنتحدث عنها جذورا تنتهي إلى أساس واحد، إليه يردّ علم كل فرع وجانب تفصيلي.
ولعلّ أقصر طريق يمكن أن ينفذ منه الباحث إلى هذا المصدر أو الأساس الواحد، أن نتأمل فيما يملكه الإنسان- بمعناه الكلي- من الطاقة التعبيرية عن الأفكار والمعاني، وأن نبين من وراء ذلك الثغرات والنقائص التي تتلبس بطاقته هذه وتمنعه عن القدرة على التعبير عن كل ما يريد بالشكل الذي يريد .. فإذا تبينت لنا هذه النقائص والثغرات، أدركنا عندئذ أن أساس الإعجاز البلاغي في القرآن، إنما هو كونه مبرءا من تلك النقائض والثغرات. [1] نقصد بالتأليف هنا تآلف ألفاظه وجمله وتناسقها مع بعضها، على الوجه الذي سنشرحه فيما بعد إن شاء الله. [2] انظر ما كتبه في هذا الإمام الباقلاني في إعجاز القرآن ص: 259 والإمام السيوطي في الإتقان 2/ 119.