الإعجازية التي تتجلى في هذا الكتاب العظيم. وعن طريق الكشف عن وجوه هذا الإعجاز وأسبابه.
وفي يقيني أن العلماء يملكون مزيدا من وسائل الكشف عن هذه الوجوه وأسباب تجليتها، كلما تطاول الزمن، وازداد عمر القرآن طولا بين الناس، إذ إن ذلك هو شأن المعجزة المستمرة والباقية مدى الدهر.
وجوه الإعجاز القرآني
لن نطيل القول في بيان الخلاف الذي جرى بين علماء القرآن، حول حقيقة الأعجاز الثابتة في كتاب الله تعالى، بعد أن تكامل إجماعهم واتفقت كلمتهم على أن سمة الإعجاز حقيقة ثابتة في هذا الكتاب، بقطع النظر عن جوانبه ومظاهره.
فإن فيما سنعرضه من بيان هذه الوجوه والجوانب، وتحليل كلّ منها وإبراز الأدلة والبراهين عليها، بالقدر الذي يتّسع له مجال مثل هذا البحث، ما يقضي على أسباب ذلك الخلاف، ويجلي لنا معظم هذه الوجوه، على نحو لا تلحقه المرية ولا يطوله الشك.
ونقول: يجلي لنا معظم هذه الوجوه. ولا نقول: يجلي كلها. لأنّا لا نعلم ما الذي تحمله قوادم الأيام والعصور، ومستجدات الأفكار والعلوم، من أضواء على مزيد من وجوه الإعجاز في كتاب الله عزّ وجلّ، كيف لا وهو الكتاب الذي ضمنه الله تعالى معجزته الساطعة الباقية على مرّ الأجيال والدهور. بل كيف وهو القائل في محكم هذا التبيين:
سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ، أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (فصّلت: 53).
ولنشرع الآن ببيان وجوه الإعجاز في القرآن، مع شرح مفصّل لكلّ منها، بحيث تظهر من خلاله الحجة على أن القرآن معجز فعلا من ذلك الوجه: