من سهل وحزون، ولا شاكل خطابة العرب، ولا سجع الكهنة دوي الإرب، وجاء كالشمس اللائحة نورا للمسرّة البائحة وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. وإن الآية منه أو بعض الآية لتعترض في أفصح كلم يقدر عليه المخلوقون، فتكون فيه كالشهاب المتلألئ في جنح غسق، والزهرة البادية في جدوب ذات نسق فتبارك الله أحسن الخالقين» [1].
أفيمكن، فيما قد يتصوره عقل عاقل، أن يجرد المعري هذه السياط الملهبة على ظهر ابن الراوندي، ثم يعمد فيضع هو أيضا ظهره تحت لهيبها؟
لا شك أن الأمر في حقيقته كما قلنا، أن مجهولين غامروا، فخابت جهودهم، فألصقوا خيبتهم بمن قد أحبّوا أن يلصقوها به من مشاهير العلماء أو الأدباء.
فهذا هو الدليل المادي الملموس على أن هذا القرآن قد أعجز البشر أن يأتوا بمثله .. إذ قد تبين أن الناس- منذ نزول القرآن إلى هذا اليوم- فريقان اثنان:
فريق أعلن عجزه عن إمكان الإتيان بمثله أو بما يدانيه، دون سابق تجربة ومحاولة وفريق جرّب وحاول، وبذل كل ما يملك من جهد، فلم يأت من عمله بشيء.
ومن خلال موقف كلا هذين الفريقين اللذين انقسم إليهما جميع الناس إلى هذا اليوم، يتكامل الدليل العملي على ثبوت صفة الإعجاز في القرآن.
وإنما يعرف الدليل على إعجازه من هذا الوجه فقط، سواء عرفت وجوهه وأسبابه أو لم تعرف.
إلا أننا سنحاول الآن ترسيخ هذا الدليل، عن طريق تحليل هذه الظاهرة [1] رسالة الغفران: 479 و 480.