قالوا: ولما أن قيل له: إن كلامك هذا لا يبدو فيه شيء من رواء القرآن وإشراقه، أجابهم: دعوه تصقله الألسن في المحاريب أربعمائة سنة، ثم انظروا كيف يكون.
وما من باحث، بل ما من متأمل عاقل، إلا ويدرك براءة المعري من هذا الهراء، ومن هذه الطريقة الغبية في الدفاع عن هذا الكلام، لأسباب من أهمها:
أولا: إن المعري لم يكن من الجهل بالواقع والتاريخ إلى حيث جعله يتوهم بأن الذين سجدوا لبلاغة القرآن، من العرب المشركين والمسلمين، لم يفعلوا ذلك إلا بعد أن صقلت تلك الآيات أسماعهم أربعمائة سنة ...
ثانيا: إن الرجل عرض في كتابه، رسالة الغفران، لسخف جاء به ابن الراوندي في كتاب له سمّاه «التاج» وهو سخف يشبه هذا الذي ألصقوه بأبي العلاء مما نحن في معرض حديثه، فتناول تاجه هذا، ومزقه بلسانه وقلمه شرّ ممزّق ثم تحدّث عن القرن حديث العاقل الذي يكرم نفسه من حيث يوقفها عند حدّها. ويؤكد أن لا مطمع لأي معارضة أو تقليد لهذا الكتاب، لأي إنسان مهما سما في قدراته وطاقاته العلمية والبلاغية. وهذا كلامه عن ذلك في رسالة الغفران:
( .. وأما ابن الراوندي، فلم يكن إلى المصلحة بمهدي، وأما «تاجه» فلا يصلح أن يكون نعلا، ولم يجد من عذاب وعلا (أي ملجأ) .. ويجوز أن ينظم تاجه عقارب، فما كان المحسن ولا المقارب .. وهل تاجه إلا كما قالت الكاهنة:
أف وتف، وجورب وخوف. قيل وما جورب وخف؟؟ .. قالت: واديان في جهنم) إلى أن قال: (وأجمع ملحد ومهتد وناكب عن المحجة ومقتد، أن هذا الكتاب الذي جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم كتاب بهر بالإعجاز، ولقي عدوه بالإرجاز، ما حذي على مقال، ولا أشبه غريب الأمثال، ما هو من القصيد الموزون ولا الرجز