نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 137
قوله تعالى: (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) ولم يجيء قط رحمن بهم، فعلمت أن رحمن هو الموصوف بالرحمة، ورحيم هو الراحم برحمته، وقال رحمه الله تعالى: هذه النكتة لا تكاد تجدها فى كتاب" [1].
ولكن الشيخ محمد عبده رحمه الله ذهب إلى عكس ذلك فقال:" والذى أقول: إنّ صيغة فعلان تدل على وصف فعلى فيه معنى المبالغة كفعال وهو استعمال اللغة للصفات العارضة كعطشان وغرثان وغضبان، وأما صيغة فعيل فإنها تدل فى الاستعمال على المعانى الثابتة كالأخلاق والسجايا فى الناس كعليم وحكيم وحليم وجميل.
والقرآن لا يخرج عن الأسلوب العربى البليغ فى الحكاية عن صفات الله عز وجل، التى تعلو عن مماثلة صفات المخلوقين. فلفظ الرحمن يدلّ على من تصدر عنه آثار الرحمة بالفعل وهى إضافة النعم والإحسان، ولفظ الرحيم يدل على منشأ هذه الرحمة والإحسان، وعلى أنها من الصفات الثابتة الواجبة. وبهذا المعنى لا يستغنى بأحد الوصفين عن الآخر، ولا يكون الثانى مؤكدا للأول، فإذا سمع العربى وصف الله جل ثناؤه بالرحمن وفهم منه أنه المفيض للنعم فعلا لا يعتقد منه أن الرحمة من الصفات الواجبة له دائما. لأن الفعل قد ينقطع إذا لم يكن عن صفة لازمة ثابتة وإن كان كثيرا، فعند ما يسمع لفظ الرحيم: يكمل اعتقاده على الوجه الذى يليق بالله تعالى ويرضيه سبحانه، ويعلم أن لله صفة هى الرحمة التى عنها يكون أثرها، وإن كانت تلك الصفة على غير مثال صفات المخلوقين، ويكون ذكرها بعد الرحمن كذكر الدليل بعد المدلول ليقدم برهانا عليه. ملخصا من تفسير المنار [2].
ولعلّ هذا الرأى الأخير هو الأقرب إلى قواعد اللغة وأساليبها.
وقد ذهب الشيخ محمد عبده فى رده على بعض المعترضين عليه وتوجيه كلامه هذا مذهبا لطيفا نورده هنا ملخصا لجمال إشارته قال:
" إن احتمال التوكيد بذكر الصفتين معا لنفى التعدد بعيد، لأنه لا علاقة بين التوحيد ومعنى الرحمة، ولم يسبق فى التاريخ أنّ أحدا ذهب إلى أن الرحمن معبود [1] انظر: تفسير المنار (1/ 48). [2] انظر: مشكلات القرآن الكريم وتفسير سورة الفاتحة للإمام محمد عبده ص 36، 37. طبعة مكتبة الحياة ببيروت. وتفسير المنار (1/ 47، 48).
نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 137