نام کتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن نویسنده : عبد السلام أحمد الراغب جلد : 1 صفحه : 214
ظهرها، وفي باطنها أيضا صورة ضخمة مثيرة للخيال، دالّة على القدرة الإلهية الممسكة بهذه الأرض، التي لا تنوء بما تحمله من هذه الأثقال، وكأنها تحمل البشر ودائع عندها إلى اليوم الموعود.
ويضاف إلى الكتل البشرية التي تحملها، كتل الجبال الراسيات، وكتل المياه الجوفية أيضا. والعلاقة قوية بين هذه الصور ذات الأوزان، فالجبال، تحافظ على توازن الأرض، والسحب والثلوج، تتجمع فوق قمم الجبال، فتنحدر مساقط الماء العذب. وهكذا تتجاور الصور في السياق، ضمن نظام العلاقات الذي يربط بينها، ويوحّد أثرها في تحقيق الغرض الديني. ولولا الجبال لمادت الأرض واضطربت، يقول الله تعالى في بيان وظيفتها:
وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ لقمان: 10، وقوله أيضا: وَالْجِبالَ أَوْتاداً النبأ: 7.
كما أن الصورة ترسم ألوان الجبال في لوحة بديعة متناسقة الألوان: يقول تعالى: وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ، وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ فاطر: 27.
وقد تضم الصورة، مشاهد متعددة من الطبيعة في سياق واحد متناسق، كدليل على قدرة الله سبحانه قال تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ الغاشية: 17 - 20.
وذكر الجمال هنا من سائر الحيوانات، اقتضاها التناسق بين أجزاء الصورة المرسومة، فالسماء المرفوعة، تقابلها الأرض المبسوطة، والجبال المنصوبة في الأرض المبسوطة، تلائمها الجمال المنصوبة السنام، وهكذا ترسم الصور مشاهد الطبيعة بالمساحات والمسافات والخطوط والأشكال، وتدعو الإنسان إلى تأمل هذه المشاهد المتناسقة التي تدلّ على خالقها المبدع.
ومشهد تعاقب الليل والنهار من المشاهد الحسية العجيبة يدلّ على قدرة الله، ولكن الإنسان من كثرة إلفه لهذا المشهد، واعتياده له، فقد التأثر به، فتأتي الصورة في التعبير القرآني، لتحيي هذا المشهد في حس الإنسان وشعوره، ليدرك ما فيه من إعجاز إلهي في تدبيره وتصميمه.
يقول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ لقمان: 29.
نام کتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن نویسنده : عبد السلام أحمد الراغب جلد : 1 صفحه : 214