بسبب كثرة الناس بها، وضيق أماكنها، فأمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يخرجوا إلى إبل الصدقة، وهذا من طبِّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عالج المريض بمألوفه، والأطباء يعتبرون هذا، وهو أن بعض الأمراض يكون علاجها بِرَد الإنسان إلى مكانه الذي ألِفَه، وإعتاد عليه، حتى قالوا: إنه يتأثر بأرضه، وهوائها، ومائها، وكان بعض الأطباء يُداوي بالماء الذي يكون في الموضع الذي وُلِدَ فيه الإنسان، وما فيه من مأكل، ومشرب، كما بيّنَهُ الإمام ابن القيم رحمه الله في الطبِّ النّبوي، ووجه دلالة هذا الحديث على طهارة بول ما يؤكل لحمه، وروثه: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذنَ لهم بشرب البول، فلو كان نجساً لما أذن لهم بذلك؛ لأنّ النجس محرّمٌ شربه والله لم يجعل شفاء الأمّةِ فيما حرمه عليها كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: [إِنّ الله لمْ يجعلْ شِفاءكمْ فِيمَا حَرمَ عَليكمْ] فأَمَرُهُ عليه الصلاة والسلام بالإستشفاء ببول الإبل يدلُّ على طهارته، وأكّد ذلك طوافه عليه الصلاة والسلام على بعيره، وصلاته النّافلة عليه في السفر كما ثبت في الصحيحين، ومن المعلوم أن البعير لا يسلم غالباً من طشاش بوله، وروثه على فخذيه، وما قارب مخرج البول، والروث، ومع ذلك كان عليه الصلاة والسلام يُصلي، ويطوف وهو راكب عليه فدلّ على طهارة روثه وبوله.
ولما جاءت السنة أيضاً بالإذن بالصلاة في مرابض الغنم؛ دلّ ذلك على: أن العلّة هي كون الإبل، والغنم من الحيوانات التي أذن الشرع بأكل لحمها.
فصح القول بطهارة فضلة مأكول اللحم سواء كانت بولاً، أو روثاً، كما نصَّ عليه المصنف رحمه الله في هذه العبارة، وقد قوى هذا المعنى المستنبط مما