ثم إن ما لا نفس له سائلة يكون في بعض الأحوال متولداً من غيره، وحينئذ لا يخلو من حالتين:
الأولى: أن يكون متولداً من شيءٍ طاهر؛ مثل: التَّمر، والحبِّ، والدقيق، والأجبان، ونحو ذلك، فهو طاهر وهذا هو الذي قصده المصنف رحمه الله، وأشار إليه بقوله: [مُتَولِّدٍ منْ طَاهرٍ].
الثَانية: أن يكون مُتولِّداً من نجس مثل: الدودِ المتولّدِ من عذرة الآدمي، ونحوها من النجاسات، فهو نجس لأن الفرع تابعٌ لأصله.
فبيّن المصنف رحمه الله أنه يُستثنى من الحكم بطهارة ما لا نفس له سائلة ما كان متولداً من النجاسة، وهذا هو ما يدل عليه مفهوم قوله [من طاهرٍ].
قال رحمه الله: [وبَوْلُ مَا يُؤكَلُ لَحْمُهُ، ورَوْثه]: التقدير طاهر، ومراده رحمه الله أن الحيوانات التي أذن الشرع بأكل لحمها، مثل الإبل، والبقَر، والغنم، والحمام، والدجاج، ونحوها كلها طاهرة الفضلة سواء كانت بولاً، أو روثاً.
وقد دلّ على طهارتها ما ثبت في الصحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: [قدم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقوامٌ منْ عُكلٍ، أو عُريْنة، واجْتَوَوْا المَدِينَة] أي: أصابهم الجَوى، والجوى: نوع من الأمراض، لأن أهل البادية تكون مناطقهم نقيّة، ونافهة، فإذا دخلوا المدن يصيبهم هذا النوع من المرض، ويُسمّى الجوى، وسببه كما ذكر الإمام النووي، وغيره: إختلاف الموضع، والطعام عليهم؛ لأنهم ألفوا طلاقة الجوِّ، ونظافة ما يؤكل ويشرب، بخلاف المدن التي تكون وخيمة، ووبيئة عادة؛