ذكرنا من الأحاديث السابقة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما حُرّمَتْ لُحومُ الحُمُرِ الأهليةِ حكم بنجاستها، فقال كما في الصحيح: [إِنها رِجْسٌ] فدلّ على أن تحريم الأكل يوجب الحكم بالنجاسة، وعكسه يدل على الطهارة، ولذلك وصف الله مباح الأكل بالطيب فقال سبحانه: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، ولا طيب لنجسٍ.
قوله رحمه الله: [ومنيّه، ومنيّ الآدمي]: قوله: [ومنيّه]: أىِ: منيُّ ما يؤكل لحمه، فإنه يُعتبر طاهراً، لأنه فضلة، وقد تقدم بيان الدليل على ذلك، ولأنه إذا كان روثه، وبوله طاهر، فمن باب أولى المني؛ لأن فضلة البول، والروث أشدّ في حكم النجاسة من المنيّ، أصله الآدمي.
وأما منيُّ الآدمي فقد تقدم وصفه، وضبطه في باب الغسل.
وهو طاهر في أصحِّ قولي العلماء رحمهم الله كما بيّناه في شرح البلوغ حيث ذكرنا فيه قولي العلماء رحمهم الله بالنجاسة والطهارهَ، وهل نجاسته مخففة، أو باقية على الأصل؟
وقد دلّ على طهارته دليل السنة، كما بيّنا في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الصحيح، وأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُصلي بثوبه، وأثر الجنابةِ فيه.
وقد أنكرت رضي الله عنها على ضيفها حينما غسل الثوب من المنيّ، وجاء في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عند البيهقي، وغيره أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: [إنّما هو بمنْزِلةِ المُخَاطِ يَكْفِيكَ أَن تَحُتّه عَنْكَ بإِذْخِرَةٍ] فأكّد القول بطهارته.