وتحسُن الإشارة هنا إلى أنَّ عدم تبييض المؤلِّف لكتابه لا يعني الطعن في نسبته -أو نسبة ما فيه- إليه إذ ليس التبييضُ بشرطٍ ولا عادةٍ مطردةٍ عند المؤلفين القدامى ولا المُتأخرين، ولو سُلِّم بعدم الأخذ بما قاله الشيوخ في مسودَّات كتبهم للزم من بابٍ أولى عدم التسليم بما كتبه عنهم غيرهُم، أو رواه عنهم مشافهة من غير عَرْضٍ، أو قيَّده في دروسهم أو من مَجَالسهم، كما هو الحال في كثير من تقييدات المالكية, وأشهرها عند المتأخرين تقييد الزرويلي على تهذيب البراذعي للمدونة، فليُتأمَّل وليُعلَم أنَّ في بعض نُسَخ "التبصرة" التي وقفنا عليها ما نُسِخ من مسودَّة مصنِّفها -رحمه الله-؛ حيث قال نُسَّاخُ النسخة التازية وثنتَين من نُسَخ القرويين في آخر كتاب "الخيار": (هذا آخر ما وجد في مسودة الشيخ) [1]، وهذا إن لم يكن دليلًا على اعتماد مسودَّة المؤلِّف -رحمه الله-، فلا أقلَّ من أن يكون دليلًا على اعتمادهم على أصلٍ مخطوط نُقل منها أو قوبِل عليها، والله أعلم.
وإن كان لأحد أن يشكك في نسبة ما في "التبصرة" إلى اللخمي، أو صحة نسبة مسائلها إليه ورضاه بها، أو يجزم بعدم تصحيحها على مؤلِّفها، فلا يصح ذلك إلا من تلاميذه الذين هم أقرب الناس إليه وأوثقهم نقلًا عنه، وقد وجدنا من كثرة اعتمادهم على التبصرة ونقلهم واقتباسهم منها، والإحالة إليها بالنص الذي قد يطول أحيانًا فيتعدى الجمل إلى الفقرات والصفحات، كما فعل المازري -وهو أبرز تلاميذ اللخمي، وأكثرهم أخذًا منه ونقلًا عنه- في تعليقته على المدونة التي نسعى إلى تحقيقها ونشرها قريبًا إن شاء الله، وهو ما يوجب الطمأنينة إلى أن تبصرة اللخمي من الكتب المرضيَّة المتلقاة بالقبول، سواء خرجت من مسودَّة المؤلف أو من مبيَّضته. [1] يحفظ أصلها بالمسجد الأعظم بتازة, تحت رقمي (235: 243).