وبلغني عن بعض شيوخنا الفاسيين -حفظهم الله- أن كتاب اللخمي لم يُقْرأ عليه، فكان الشيوخ يجتنبون الفتيا منه لذلك) [1].
قلتُ: وكلام ابن مرزوق الذي يَذكُر فيه توقُّفَه عن الفتيا بما في "التبصرة"، وحكايتَه مثلَ ذلك عن بعض شيوخه الفاسيين يدل على أنَّ الأمر يتعدى الفترة الزمنية التي حدَّدها المقري بالمائة السادسة وصدر السابعة، لأنَّ ابن مرزوق عاش حتى أواخر القرن الثامن الهجري، ولمناقشة ما حكاه والمقري قبلَه يحسُن أن نناقش تعليلهم للتوقف عن الفتيا من "التبصرة"، حيث علَّلَه المقري بِعدَم تصحيحها على مؤلِّفها، وعلَّله ابن مرزوق بما يعتري نُسَخَها من الاختلاف في كثير من المواضع، ومدار العلَّتَين على التشكيك في نسبة ما في النُّسَخ إلى اللخمي نفسه، بسبب تعارض الكلام وتناقضه -أحيانًا- وهذا الإشكال قد يرتفع بتحقيق الكتاب تحقيقًا علميًّا، ومقابلته على ما وصل إلينا من نُسَخه الخطيَّة ليُنتهى إلى إخراجه على ما يغلب على الظنِّ أنَّه مراد مؤلِّفه -رحمه الله-.
ثُمَّ إن التذرُّع بترك الفتيا بما في "التبصرة" بعدم تصحيحه على مؤلِّفه -قد- يَرِد عليه ما يُفهَم منه أن اللخمي صحَّح كتابه، وأذن بتحمُّله عنه وتداوله، حيث ذكرت مصادر ترجمة أبي الفضل يوسف بن محمد المعروف بابن النحوي (ت 513) أنَّه حينما لقي شيخَه أبا الحسن اللخمي سأله الشيخُ عما جاء به، فأجابه أنه يريد نسخ "التبصرة"، فقال له اللخمي: "إنما تريد أن تحملني في كفِّكَ إلى المغرب"، ولم ينهَه عن ذلك، بل عُلمَ من كتب التراجم أن ابن النحوي الذي وفد على اللخمي من قلعة بني حمَّاد في المغرب الأوسط (الجزائر حاليًا)، رجع بالتبصرة وأدخلها إلى فاس [2]. [1] انظر: المعيار المعرب, للونشريسي: 1/ 37. [2] انظر: جذوة الاقتباس، للمكناسي: 2/ 553، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 126.