ومن مجموع ما تقدَّم أنتهي إلى أن تعليل ترك الفتيا بما في "التبصرة" بكونها لم تصحح على الشيخ، أو بالاختلاف الواقع بين بعضٍ من نُسَخها غيرُ مسلَّمٍ، والله أعلم وأحكم.
بقي أن نشير إلى أمرين متعلِّقَين بفتاوى اللخمي على الخصوص، بعيدًا عن الكلام على تبييض "التبصرة" وتصحيحها وما أثير حولَه.
الأمر الأوَّل، أن فتاوى اللخمي كثيرة ظاهرة في دواوين المفتين والمصنِّفين في النوازل الفقهية، وقد سعى إلى جمعها وترتيبها الدكتور حميد لحمر فأثمر سعيُه -مشكورًا- إلى إخراج مائة واثنتين وثمانين فتوى نشرها في كتاب بعنوان "فتاوى الشيخ أبي الحسن اللخمي القيرواني"، وهي خلاصة فتاوى اللخمي في نوازل البرزلي، ومعيار الونشريسي، وما يعنينا من ذلك هو اعتماد المالكية هذه الفتاوى على الرغم من أنَّ كثيرًا منها -إن لم يكن أكثرها- موجود في "التبصرة" أو منقولٌ منها بفوارق طفيفة.
والأمر الثاني -وبه ختام هذا المبحث- أن متأخري المالكية أجمعوا على تلقي مختصر الشيخ خليل -وما أودعه بين دفتيه- بالقبول، وهو الكتاب الجامع لما به الفتوى في المذهب، فلزم من اعتماده اختيارات اللخمي ونصِّه عليها صراحةً، بل وتقديم التبصرة في ترتيب مصادره الأربعة التي هي لبُّ لباب الكتاب - رفع الخلاف الواقع في اعتمادها في الفتوى أو الإفتاء بما فيها.
بل إن الشيخ خليل -رحمه الله- ذهب أبعد من ذلك فأورد في مختصره اختيارات اللخمي التي خالف فيها من سبقَه من أئمة المذهب وفقهائه، مع أنَّ هذا هو عينُ ما اعتبره غيرُه تمزيقًا للمذهب، وخروجًا عليه، فرحم الله الشيخين، وعمَّ بنفعهما العباد.