إشارة إلى أن للسفر تاثيرًا في إزاحتها عن وقتها المعتاد قليلًا. وقد كنا قدمنا الكلام في جمع الصلاتين في السفر، وإزاحتهما عن وقتيهما المختارين لهما، وإزاحة إحداهما. وذلك مما أثره السفر. ولكن القاضي أبا محمَّد لم يردْ هذا، لأن الجمع بين الصلاتين في معنى الرخص، وكذلك ما ذكرناه في مسألة المدونة كأنه لا حق بهذا الأسلوب. وهو إنما تعرض إلى الكلام على نفس أدائها لا على الرخصة الداخلة في أوقاتها، لأن ذلك أمر قد بينه عند كلامه على الأوقات.
قال القاضي أبو محمَّد رحمه الله: وحَدُّ صلاة السفر [1] ثمانية وأربعون ميلًا وفي البحر يوم تام وليلة.
قال الإِمام رضي الله عنه: يتعلق بهذا الفصل سؤالان: منها أن يقال:
1 - ما الدليل على اعتبار ما قال من المسافة؟.
2 - وكيف تفسر هذه المسافة إن اختلفت جهات التصرف؟.
والجواب عن السؤال الأول: أن يقال: اختلف الناس في مقدار السفر المبيح للقصر. فمذهبنا ومذهب الشافعي أنه أربعة بُرُد. قال مالك يقصر في مسيرة يومين. وقال أيضًا يوم وليلة. قال الشيخ أبو محمَّد عبد الحق عن بعض الأشياخ أن المراد يوم وليلة يُسار فيهما. وإذا كان هذا هكذا كما قاله بعض الأشياخ فالقولان يرجعان إلى معنى واحد. لأن يومًا وليلة كيومين بلا ليل. وإن كان الزمان يختلف حتى يصير اليومان أقصر من يوم وليلة فإن المراد زمن يعتدل فيه ذلك أو يختلف اختلافًا لا يتحسس إليه في المسير. وقال مالك أيضًا يقصر في ثمانية وأربعين ميلًا. وهذا أيضًا موافق لما تقدم إن كان أراد بمسير اليومين مشي الإبل بالأحمال لأن سيرها متوسط أربعة وعشرين ميلًا كل يوم. وهكذا حكى القاضي أبو محمَّد عن بعض أصحابنا أن اليوم والليلة والأربعة بُرُد واحد. ومعنى قول ابن القاسم رجع عنه أن يترك [2] التحديد باليوم والليلة. وقال مالك أيضًا رضي [1] سفر القصر -غ- الغاني. [2] أي ترك - قث. والكلام غير مرتبط بما سبقه إذا لم يتقدم نقل قول ابن القاسم.