والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: أما رده صلاة الفجر إلى ركعة فإن ذلك لا يستحيل عقلًا. كيف وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الصلاة في الخوف ترد إلى ركعة واحدة ولكن قد تقرر الإجماع أن الصلاة في حال الأمن لا يقتصر فيها على ركعة واحدة. وإلى هذا أشار القاضي أبو محمَّد بقوله: وذلك ممنوع.
وكأن الصبح خففت عن الصلاة الرباعية والسفر جاء بالتخفيف والحذف من العدد. والتخفيف والحذف إذا دخل الأصل روعي أعلى مبالغه، وأعلى مبالغ الصلاة الرباعية. فإذا شُطرت صارت كالثنائية الأصحلية من الفروض. وصار التخفيف في العدد متناسبًا، وإن كان في الصبح أصليًا وفي الرباعية طارئًا. وقد
أشارت عائشة رضي الله عنها إلى طريقة أخرى فقالت: أول ما فرضت الصلاة ركعتين فلما أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة صلّى إلى كل صلاة مثلها إلا صلاة المغرب فإنها وتر وإلاصلاة الصبح لطول قراءتها [1].
والجواب عن السؤال الثالث: أن يقال: أما قوله وأداؤها على صفة أداء التامة إلا في الإتمام. فإن التغيير دخل الصلاة في الشرع على ضروب شتّى فغيرت من القيام إلى الجلوس. ومن الركوع والسجود إلى الإيماء إليهما عند المرض. وغير حكم القبلة في التنفل على الدابة في السفر، وغيرت الهيئة في صلاة الخوف دون العدد. فلما اختلف التغيير هكذا أخبر القاضي أبو محمَّد أن التعْيير لم يدخل في هذه الصلاة إلا في حذف العدد خاصة دون ما سواه من قيام وركوع وسجود واستقبال القبلة ومراعاة ترتيب وهيئة. والتخفيف إذا جاء الشرع به في جهة واحدة فليس لنا أن نجعله في جهات غيرها إلا بدليل. ومع هذا فقد أشار مالك إلى أن السفر يؤثر في إجازة تخفيف القراءة فيما الأفضل فيه الإطالة. قال في المدونة: في صلاة الصبح واسع أن يقرأ فيها بسبح ونحوها في السفر. والأكرياء يُعْجِلون في صلاة الناس. وكذلك قال أيضًا في المدونة في صلاة المغرب: وأما المسافر فلا بأس أن يُمِدّ الميل ونحوه ثم ينزل ويصلي. [1] رواه البيهقي. السنن ج 1 ص 363.