الله عنه في العتبية يقصر في خمسة وأربعين ميلًا. وقال في المبسوط يقصر في أربعين ميلًا. وقال في المبسوط أيضًا في مسافر البحر لا يقصر حتى ينوي اليوم التام لأن الأميال والبُرُد لا تُعرف في البحر. وهذا الذي قاله في البحر كانه مخالف لما تقدم من التقدير. وقد اعتذر ها هنا بان الأميال لا تعرف في البحر.
وهذا الاعتذار لا يخرج هذه الرواية عن مخالفة ما تقدم. لأن اليومين أو اليوم والليلة لا يختلف قدرهما في سفر البر أو البحر. ولو كان مراده بقوله فيما تقدم يومًا وليلة أن اليوم يسار فيه دون الليل لكان موافقًا لهذا الذي حكيناه عن المبسوط في تحديد سفر البحر باليوم التام. وقد قال الشيخ أبو محمَّد عبد الحق: قال بعض شيوخنا إنما قال في البحر يوم دون الليل لأن قطعه في البحر أكثر من قطعه في سير البر، قلت فلعل معنى قولهم في البر يوم وليلة إنما هو ليوم يبات فيه فعبر عنه بيوم وليلة فقال بل المعنى: يوم وليلة سيرًا. وهذا الاعتذار من بعض الأشياخ لسرعة حركة السفينة في البحر. وأنها تقطع في اليوم قطع سفر البر في يومين، يتضح معه تفرقته بين سفر البر والبحر. وبما قلناه من اعتبار مسيرة يومين، وهي ستة عشر فرسخًا. قال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما. وقال أبو حنيفة المعتبر في سفر القصر ثلاثة أيام وهي أربعة وعشرون فرسخًا. وبه قال ابن جبير والثوري والنخعي. وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه. وقال الأوزاعي يقصر في مسيرة يوم. وروي ذلك عن أنس أيضًا أنه يقصر في خمسة فراسخ. وقال الزهري يقصر في يوم تام وهو ثلاثون ميلًا.
وروي ذلك عن ابن عمر [1]. وقال داود وأهل الظاهر يقصر في طويل السفر وقصيره. وسبب هذا الاختلاف اختلاف ظواهر منها قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [2]. وظاهر هذا يحيى القصر في قليل السفر وكثيره. كما قال داود وقال عليه السلام: لا تسافر المرأة يومًا وليلة إلا مع ذي محرم [3]. فاشعر هذا: أن هذا المقدار من الزمان سفر تتغير فيه [1] عن عمر- قث. [2] سورة النساء، الآية: 101. [3] روى البخاري: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم ولا ليلة ليس =