responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : كيف ندعو الناس نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 107
ذلك الوقت إلا من آمن حقاً، وجاء يعرض إيمانه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مخاطراً بنفسه، معرضاً نفسه للأذى ينصب عليه من كل حدب وصوب، والجاهلية كلها من حوله تناجزه العداء، وتظهر له الإنكار والبغضاء. ومع أن النطق في ذلك الوقت كان علامة مؤكدة على الإيمان، لأنه لم يكن يعرض نفسه لمخاطر النطق إلا من آمن حقاً، وبلغ به التصديق مبلغ اليقين، فهل اكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم بأنهم صدقوا في داخل قلوبهم ونطقوا بألسنتهم؟ ‌
ولو اكتفى بذلك منهم، فهل كانت تقوم تلك القاعدة الصلبة التي غير الله بها وجه الأرض؟
وفيم إذن كان لقاؤه معهم في دار الأرقم، ومصاحبته لهم، وقضاؤه الساعات معهم؟ ليقول لهم: آمنوا بأنه لا إله إلا الله، وقد آمنوا بالفعل؟ أم ليقول لهم انطقوا بألسنتكم أنه لا إله إلا الله وقد نطقوا بالفعل؟ إنما كان يلتقي بهم ليربيهم على مقتضيات لا إله إلا الله، مقدماً لهم النموذج العملي في شخصه الكريم.
لقد كان من مقتضيات لا إله إلا الله في ذلك الحين، وفي كل حين، الصبر على الأذى في سبيل الحق، في سبيل العقيدة الصحيحة التي يؤمن بها الإنسان. فهل كان مجرد الإيمان، أي التصديق بلا إله إلا الله والنطق بها، يؤدي تلقائياً إلى الصبر على الأذى مهما اشتد، والتمسك بالحق مهما كلف في النفس والمال؟ أم يحتاج هذا الأمر إلى جهد معين لتقوية الكيان النفسي حتى يحتمل الضغط دون أن ينثني أو ينهار؟ ومن أين تعلمون ذلك؟ أبمجرد أن يقال لهم اصبروا تنضبط المشاعر، وتصلب العزيمة، وتصغر الدنيا بمتاعها الحلو في نظر صاحبها، ويتطلع إلى ما هو أعلى وأشف، فيحتمل الأذى صابراً، ولا يفرط في الحق الذي آمن به؟ كلا والله إنما يحتاج الأمر إلى تلقين وتعليم وتدريب وتوجيه. والمعلم الأعظم صلى الله عليه وسلم هو الذي يعلم ويلقن، ويدرب ويوجه. ولكن لا بمجرد كلمات يلقيها لأصحابه، بل بنموذج عملي يرونه شاخصاً أمامهم، يطبق في ذات نفسه ما يدعوهم إليه، على المستوى الأعلى، فيتعلمون فينفذون.
لقد أوذي سيد الرسل صلى الله عليه وسلم أذى يهد الجبال.
أوذي بالتكذيب، وما أشق التكذيب على الصادق الأمين. وأوذي بالسخرية،

نام کتاب : كيف ندعو الناس نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 107
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست