[1]- المسلك الأول: يستند إلى أمر متواتر، لا يتمارى فيه إلا جاحد، ولا يدرؤه إلا معاند، وذلك أنا نعلم باضطرار من عقولنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرسل الرسل، ويحملهم تبليغ الأحكام، وتفاصيل الحلال والحرام، وربما كان يصحبهم الكتب، وكان نقلهم أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الآحاد، ولم تكن العصمة لازمة لهم، فكان خبرهم فى مظنة الظنون، وجرى هذا مقطوعاً به، متواتراً لا اندفاع له، إلا بدفع التواتر، ولا يدفع المتواتر إلا مباهت [1] .
... إلا أن المعترضين على قبول خبر الواحد قد أثاروا شبهة حول هذا المسلك وذلك بقولهم: "إن إرسالهم "أى الرسل والمبعوثون" إنما كان لقبض الزكاة والفتيا ونحو ذلك" [2] .
... وقد تولى الإجابة عن هذه الشبهة الحافظ ابن حجر فبين أن هذا الاعتراض "مكابرة" لأن العلم حاصل بأن إرسال الأمراء كان لأعم من قبض الزكاة، وإبلاغ الأحكام، وغير ذلك، ولو لم يشتهر من ذلك إلا تأمير معاذ بن جبل رضي الله عنه وقوله له: "إنك تقدم على قوم أهل كتاب. فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات فىيومهم وليلتهم، فإذا فعلوا، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإذا أَطَاعُوا بها، فخذ منهم وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ [3] . لو لم يكن إلا هذا الحديث لكان فيه الغناء. [1] انظر: البرهان للجوينى 1/228، والإبهاج فى شرح المنهاج 2/307، 308، والمستصفى 1/151، 152، والمحصول للرازى 2/180. [2] القائل ذلك أبو الحسين البصرى المعتزلى فى المعتمد 2/121، 122. [3] أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب المغازى، باب بعث أبى موسى، ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع 7/661 رقم 4347، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام 1/228 رقم 19.