.. وحيث إنهما من عند الله: فلا يمكن الاختلاف بينهما فى الواقع، ويستحيل أن يوجد كتاب وسنة - كل منهما قطعى الدلالة والثبوت - بينهما تعارض مع الاتحاد فى الزمن وغيره، مما يشترط لتحقق التعارض فى الواقع.
... وأما أنهما قد يتعارضان فى الظاهر - إذا كانت دلالتها أو دلالة أحدهما ظنية، أو كانت دلالتها قطعية ولم يتحد الزمن: فهذا أمر جائز واقع كثيراً. وحينئذ يجب على المجتهد اعتبارهما كما لو كانا آيتين أو سنتين: حيث أنهما متساويان فينسخ المتأخر منهما المتقدم إذا ثبت له تأخره، ويرجح أحدهما على الآخر بما يصلح مرجحاً، ويجمع بينهما إن أمكن. وإلا توقف إلى أن يظهر الدليل فأما أن نقول بإهدار أحدهما مباشرة - بدون نظر فى أدلة الجمع والترجيح والنسخ: فهذا لا يصح بحال أن يذهب ذاهب إليه.
... ولذلك نجد علماء الأصول، والفقه، والحديث، يقولون: بتخصيص السنة لعام الكتاب، وتقييدها لمطلقه، ونسخها له، وأنها تؤوله وتوضح مجملة، وتبين أن المراد منه خلاف ظاهره. كما يحصل ذلك من الكتاب بالنسبة للسنة.
... نعم فى بعض هذه المسائل خلافات كثيرة، ولكن يجب أن يعلم أن مرجعها إلى مدارك أخرى وذلك كظنية الطريق فى خبر الواحد، وقطعية القرآن، وليس مرجعها إلى السنة من حيث ذاتها، ومن حيث أنها متأخرة عن الكتاب، بدليل أن من يمنع نسخ القرآن بخبر الواحد مثلاً، يمنع نسخ السنة المتواترة به أيضاً، ويجوز نسخ القرآن بالخبر المتواتر وبالعكس. ولو كان المدرك التأخر فى الاعتبار لما قال إلا بنسخ السنة بالقرآن.
... ومن ذلك كله: تعلم بطلان ما ذهب إليه الإمام الشاطبى فى الموافقات [1] : من أن رتبة السنة التأخر عن الكتاب فى الاعتبار" [2] .
ثم ذكر الدكتور عبد الغنى شبه الإمام الشاطبى وردها [3] . [1] الموافقات 4/392. [2] حجية السنة ص 485 - 489 بتصرف يسير. [3] المصدر السابق ص 489 - 494.