اكتشاف حقائق جوهرية جديدة، أو اكتشاف معارف هامة لم تكن معروفة من قبل، وإنما العمل للوصول إلى نظرة أعمق، وفهم أشمل للنصوص المنزلة، والعمل للربط بين أجزاء هذه النصوص وتأويلها، ومن ثم تأويل التأولايات، حتى تستنبط معانيها الدفينة، ويتوصل إلى الحقائق والمعارف الكامنة فيها منذ الأزل، وهذا العمل ضروري وجوهري استناداً إلى الآية القرآنية: {وما فرطنا في الكتاب من شيء} ، فلا عجب إذن إذا وجدنا التاريخ الفكري للدين يتألف دائماً من تفاسير وشروح، وشروح لشروح الشروح".
هذا ما قاله حرفياً، فهل ينطبق على واقع العلوم الطبيعية والرياضية والإنسانية التي دوَّنها المسلمون، واكتشفوا فيها وأبدعوا. وكانوا رادَة الفكر الأوروبي الحديث في هذا المضمار؟!
إنه كلام لا يقبله أصغر طلبة العلوم الإسلامية، أما أن يعرض على العالم الإسلامي في كتاب مطبوع فذلك هو البهتان المبين، والاستهانة بعلماء المسلمين، والاستخفاف بالأجيال الحديثة التي يتصور الناقد أنها غدت تتقبل كل زيف وكذب ومغالطات، دون تحرير ولا تمحيص، ألا فليعلم أن في الأجيال المسلمة الحديثة مؤمنين مفكرين، قادرين على أن يكشفوا الزيف المقنع بالأقنعة الكثيرة، فضلاً عن الزيف المكشوف.
الوسيلة الثالثة: هي وسيلة الأخبار الصادقة، وهذه الوسيلة ركن من أركان وسائل اكتساب المعارف الإنسانية، ومعلوم أن الإنسان ملجأ بالضرورة إلى الاعتماد على الوسيلة الإخبارية، في كل أمر لا يستطيع أن يصل إلى معرفته بنفسه عن طريق الإدراك الحسي أو الاستدلال العقلي، إن العلوم التاريخية تعتمد على المستندات الإخبارية، بوصفها وسيلتها الكبرى، وكل تدوين لأية حقيقة علمية توصل إليها الإنسان إنا هو حكاية خبرية لما توصل إليه، ورواد الفضاء حينما وصلوا إلى القمر وعادوا نقلوا إلينا مشاهداتهم وملاحظاتهم نقلاً خبرياً، وقد يدعمون أخبارهم بالمصورات، وقد لا يدعمون، والمدرس حينما يلقي على طلابه في معاهد العلم سلسلة المعارف، إنما ينقلها إليهم نقلاً خبرياً، وكل الناس يتعاملون فيما بينهم ويكون العنصر الإخباري أهم عنصر في تعاملهم.