وكان لاستخدام هاتين الوسيلتين: (الإدراك الحسي، والاستدلال العقلي) في الفكر الإسلامي معطيات علمية واسعة، في مختلف مجالات العلوم الطبيعية والإنسانية، فالإدراك الحسي يحدد الملاحظة ومع الملاحظة أو بعدها أو قبلها أحياناً تستخدم التجربة، ومن ورائهما ينشط الاستدلال العقلي.
وبذلك دوَّن علماء المسلمين في علوم الكيمياء، والفيزياء والطب والفلك والرياضيات (الحساب والجبر والهندسة) والجغرافيا، والتاريخ مدونات كبيرة وكثيرة، أثبتوا فيها معطيات منهجهم العلمي، إضافة إلى ما نقلوه عن غيرهم من منجزات الحضارات السابقة في هذه المجالات.
إن عرض هذه الحقيقة وحدها عن الفكر الإسلامي كافٍ لكشف التزييف الحقير الذي صنعه الناقد (د. العظم) العميل لمنظمات عالمية تخدم الصهيونية في الوطن العربي، إذ زعم أن منهج الفكر الإسلامي للوصول إلى القناعات والمعارف عن طبيعة الكون وتركيبه ونشوئه، وعن تاريخ الإنسان وأصله وحياته خلال العصور، هو الرجوع فقط إلى نصوص معينة تعتبر مقدسة أو منزَّلة، أو الرجوع إلى كتابات الحكماء والعلماء الذين درسوا وشرحوا هذه النصوص.
والغريب في أمره - وهو لسان من ألسنة كتائب الملحدين - أنه يصنع التزييف، ويغالط به، ثم يقرره حقيقة واقعة، ثم يوجه الإدانة على أساسه، ثم يُصدر حكمه القاطع الذي لا استئناف فيه، وينهي المحاكمة هكذا بكل بساطة.
وطبيعي أن يتخذ الملحدون هذه الخطة، إذ لا دين يردعهم، ولا أخلاق تضبطهم، وخطتهم هذه ينطبق عليها المثل "زنَّاه فحدَّه" أي: اتهمه بالزنى كذباً وزوراً، فأقام عليه الحد مباشرة دون بيِّنات.
فلما قرر (د. العظم) فريته عن الفكر الإسلامي وعن منهجه في تحصيل المعارف، وصنع المغالطة كما راق له، قال في الصفحة (22) وما بعدها من كتابه:
"لذلك نجد أنظار المؤمنين دائماً موجهة إلى الوراء، إلى تلك الفترة التي يعتقدون أنه تم فيها كشف هذه الحقائق والمعارف من قبل الله، عن طريق الملائكة والرسل، وينتج عن ذلك أن وظيفة المؤمن والحكيم والفيلسوف والعالم ليست