القضية الأمنية أن السكينة لواقعة في الآية السكينة هي كناية عن تسكين نفوس المؤمنين بتحصيل اليقين وذلك أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان أخبرهم حين توجه للحديبية بأنهم يدخلون مكة آمنين ويطوفون بالبيت لرؤيا كان رآها فذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أنه خلق في نفوسهم ثقة بهذا وجعلها مستقرة في نفوسهم ومستمرة إلى أن يقع ما وعدهم به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ويشاهدوه معاينة فيزدادوا بذلك إيمانا مع إيمانهم وقد قضى الله أن يكون ما وعدهم به رسوله لأن رؤيا الأنبياء وحي ولكن في غير ذلك التوجه ولهذا لما انكشف أمر الحديبية عن الصلح قال بعض أصحابه يا رسول الله ألم تقل لنا انا ندخل مكة آمنين ونطوف بالبيت فقال لهم: بلى أفقلت لكم في عامي هذا فكان تحقق هذا في عام الفتح وإلى ذلك أشار الله سبحانه وتعالى بقوله لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ وجاء قوله سبحانه وتعالى في هذه الآية وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بأثر ذكر السكينة زيادة في تسكين نفوسهم وإشعارا بأن الله سبحانه وتعالى قادر على ما يشاء ثم عقب ذلك بوصفه نفسه بالعلم والحكمة أي فلا تستعجلوا ما وعدكم به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فإن الله يعلم في تأخير ذلك حكمة وهو معنى قوله تعالى فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً وقوله سبحانه وتعالى لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ أريد بهم الذين أنزل السكينة في قلوبهم فصدقوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في حديث الترمذي بسند صحيح من رواية قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال نزل على رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ مرجعه من الحديبية فقرأها عليهم فقالوا هنيئا مريئا يا نبي الله قد بين الله لك ما يفعل بك فما يفعل بنا فنزل لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ والواو لمطلق الجمع وإلا فتكفير السيئة قبل إدخالهم الجنة هذا وقد ذكر المفسرون في قوله تعالى الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ معنيين أحدهما أنه كناية عن قولهم لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً والآخر أنه كناية عما يعتقدونه من صفات الله سبحانه وتعالى غير ما هي عليه فهو ظن سوء باعتبار أنه كذب وموصل لصاحبه إلى جهنم ودائرة السوء المصيبة السوء وسميت دائرة من حيث إنها تحيط بصاحبها كما تحيط الدائرة بمركزها على السواء من كل الجهات وإلى هذا مال النقاش في تفسيره وذهب بعضهم إلى أنها سميت دائرة لدورانها بدوران الزمان لأن الزمان لما كان يذهب ويجيء على ترتيب واحد صار كأنه مستدير ومنه حديث وإن الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السموات والأرض فكأن الخطوب والحوادث في طيه تدور بدورانه ثم سميت بيعة الحديبية بيعة الرضوان لقوله سبحانه وتعالى فيها لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وهي سمرة من شجرة العضاة وذهبت بعد سنين من الهجرة