سبب فعل عبده وفي نسخة مشيئته أي ارادته كذا ذكر في حاشية وليس لها وجه ظاهر بل هو تصحيف كما لا يخفى (ولأنّه) أي الشأن (لَيْسَ فِي قُدْرَةِ الْبَشَرِ تَوْصِيلُ تِلْكَ الرَّمْيَةِ حيث وصلت) أي إلى وجوههم فأعمت أبصارهم (حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ تَمْلَأْ) أي تلك الرمية (عينيه) أي ترابا (وكذلك قتل الملائكة لهم حقيقة) أي في الصورة الكسبية والإضافة النسبية مثل إسناد القتل إلى الأفراد البشرية وإنما احتاج إلى ذكرهم لئلا يتوهم أن القدرة الملكية ليست كقوى البشرية في الاحتياج إلى القوة الإلهية والقدرة السبحانية فإن المخلوقات بأسرها متساوية في مرتبة العبودية فاندفع بتحريرنا ما توهم الدلجي خلاف تقريرنا حيث قال وما أحق هذا بالتعجب لأن القاتل حقيقة أيضا بالنسبة إليهم هو الله وهو خالق فعلهم وقدرهم إيجادا وإبداعا وهم القاتلون مباشرة واكتسابا فلا خصوصية لهم بكون قتلهم حقيقة بدون إسناده إلى الله حقيقة انتهى وظهر لي وجه آخر أنه أراد بقوله حقيقة إنه وقع من الملائكة نوع من المباشرة في قتل الكفرة لا أنه إنما كان نزول المعركة لمجرد وصول البركة وحصول النصرة (وقد قيل في هذه الآية الأخرى) أي الأخيرة وهي قوله تعالى فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ الآية (إنّها على المجاز العربيّ) بالباء أي اللغوي أعني استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة بين المعنى المجازي والحقيقي وهي هنا السببية وفي نسخة العرفي بالفاء قال العلامة محمد بن خليل الانطاكي الحنفي في حاشيته المسماة بزبدة المقتفى اعلم أن المجاز أن تجوز مستعمله عن معنى وضع ذلك اللفظ له واضع اللغة فهو المجاز اللغوي كالأسد للشجاع وإن تجوز عما وضعه الشارع له وهو الله ورسوله فهو المجاز الشرعي كالصلاة للدعاء وإن تجوز عما وضعه طائفة معينة فهو المجاز العرفي الخاص كالفعل للحدث وإن لم تكن معينة فهو المجاز العرفي العام كالدابة للشاة (ومقابلة اللّفظ) أي وعلى مقابلة اللفظ (ومناسبته) أي له لما بينهما من العلاقة المؤذنة باستعمال ما وضع للسبب من اللفظ في مسببه (أي ما قتلتموهم) أي أيها الأمة حين قتلتموهم بآلات القتل (وما رميتهم أنت) أيها النبي (إذ رميت وجوههم بالحصباء) بالمد أي بالحصى أو بالأحجار الصغار يخالطها التراب (وَالتُّرَابِ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى قُلُوبَهُمْ بِالْجَزَعِ) أَيْ واوقع في صدورهم الرعب والفزع (أي أنّ منفعة الرّمي) أي وكذا فائدة القتل (كَانَتْ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ فَهُوَ الْقَاتِلُ وَالرَّامِي بالمعنى) أي الذي هو ابتلاهم بالرعب وإدخال التراب في أعينهم حتى انهزموا (وأنت) أي القاتل والرامي (بالاسم) أي من حيث مباشرتهما بالوسم وصورة المبنى وحذف قوله القاتل والرامي في الجملة الأخيرة للعلم به من الجملة المتقدمة إذ هو من دلائل الأوائل على الأواخر والله أعلم بالظواهر والضمائر والحاصل فيه ما حكي عن المهدوي وأوضحه هبة الله بن سلامة أن الرمي أخذ وارسال وتبليغ وإيصال فالذي اثبت الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم هو الأخذ والإرسال والذي نفى عنه وأثبته لنفسه هو التبليغ والإيصال والله تعالى أعلم بالحال ثم اعلم بطريق الانعطاف إلى