فاستعار لإيجاد عقدها اسم اليد من حيث كان الآدميون إنما يفعلونه بأيديهم وهو من باب إطلاق اسم السبب على المسبب وجاء قوله سبحانه وتعالى فَوْقَ أَيْدِيهِمْ مرشحا لهذه الاستعارة والأيدي من المبايعين على هذا هي الجوارح على حقيقتها ولذا قال المصنف، (وهذه) أي هذه الأقوال المختلفة المعاني في لفظ اليد هل هي على سبيل الاشتراك والحقيقة أو على سبيل النقل والمجاز والمختار أنها (استعارات) أي إطلاقات مجازية لمناسبات سببية (وتجنيس في الكلام) أي وتفنن في العبارات الإيمائية ولم يرد به التجنيس الصناعي وهو اتفاق اللفظ واختلاف المعنى على ما ذكره التلمساني وغيره بل اللغوي بمعنى المناسبة لأن العقد مثلا إذا أطلق عليه اسم اليد فإنما يراد التي بمعنى الجاحة فبينها وبين الأيدي في الآية مناسبة والمناسبة كما ذكره التلمساني ذكر الشيء مع ما يناسبه على جهة الاستعارة والتشبيه (وتأكيد لعقد بيعتهم إيّاه) أي من حيث إن بيعتهم معه صلى الله تعالى عليه وسلم كبيعتهم مع الله تعالى لا تفاوت بينهما فيده التي تعلو أيديهم هي يد الله تخييلا (وعظم شأن المبايع) بصيغة المفعول والمراد به محمد (صلى الله تعالى عليه وسلم) وقوله عظم بكسر العين وفتح الظاء مجرور عطفا على ما قبله أي وتأكيد لعظمة شأنه وفخامة سلطانه من حيث جعل بيعتهم له بيعتهم لله سبحانه كجعل طاعته طاعته (وقد يكون من هذا) أي من قبيل قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ (قوله تعالى: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) أي كفار بدر بنصركم وتسليطكم إياه (وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ) أي بهما إذ هو الخالق للقتل وأسبابه وهم المباشرون له بقوة الله عند اكتسابه (وَما رَمَيْتَ) أي رميا يوصل التراب إلى أعينهم ولم تقدر عليه (إِذْ رَمَيْتَ) أي يومي بدر وحنين وجوههم صورة واكتسابا أو أخذا وإرسالا (وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال: 17] ) أي حقيقة وتبليغا وأصابه فبلغ رميه تعالى منه حدا لم يبلغ رميك من إيصاله التراب إلى أعينهم جميعا فلم يبق مشرك إلا شغل بعينيه فانهزموا وتمكنتم منهم قتلا وأسرا (وإن كان الأوّل) يعني إن الذين يبايعونك وإن وصلية (في باب المجاز) أي أدخل في ذلك الباب والأظهر أن يقال من باب المجاز كما في أصل الدلجي وكذا قوله (وهذا) أي فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ الآية (فِي بَابِ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْقَاتِلَ وَالرَّامِيَ بِالْحَقِيقَةِ) وروي في الحقيقة (هو الله وهو خالق فعله) أي فعل المباشر من قتله ونحوه (ورميه وقدرته عليه) أي إيجادا وإبداعا وهو القاتل مباشرة واكتسابا ومن ثم أسند الفعل إليه حقيقة أيضا كما أنه نفاه عنه أيضا لكن بين الحقيقتين بون بين وبيان ظاهر لمذهب أهل السنة والجماعة من أن العبد له نسبة الكسب في الحقيقة على الجملة والحاصل أنه سبحانه وتعالى وصف نفسه في هذه الآية بالقتل والرمي من حيث كونه هو الذي حصل أثرهما ومنفعتهما وإن كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه هم الذين قتلوا ورموا فهو على هذا من باب اطلاق السبب الذي هو القتل والرمي على المسبب الذي هو الأثر على الحقيقة ونسبة الفعل إلى غيره مجاز فلا تشبيه فيه لهذه الآية السابقة ولا تفريق بينهما فافهم (ومسببه) أي هو سبحانه وتعالى مسبب