يوم هذا» ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: «أليس يوم النحر» ؟ قلنا: بلى. قال: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا» .
«وستلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض» .
«ألا هل بلغت» ؟ قالوا: نعم، قال: «اللهم اشهد. فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع» [1] .
وفي رواية أنه قال في تلك الخطبة: «ألا لا يجني جان إلا على نفسه، ألا لا يجني جان على ولده، ولا مولود على والده، ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلدكم هذا أبدا، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم، فسيرضى به» [2] .
وأقام أيام التشريق بمنى يؤدي المناسك ويعلم الشرائع، ويذكر الله، ويقيم سنن الهدى من ملة إبراهيم، ويمحو آثار الشرك ومعالمها، وقد خطب في بعض أيام التشريق أيضا، فقد روى أبو داود بإسناد حسن عن سراء بنت نبهان قالت: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم الرؤوس، فقال:
«أليس هذا أوسط أيام التشريق» [3] . وكانت خطبته في هذا اليوم مثل خطبته يوم النحر، ووقعت هذه الخطبة عقب نزول سورة النصر.
وفي يوم النفر الثاني- الثالث عشر من ذي الحجة- نفر النبي صلّى الله عليه وسلم من منى، فنزل بخيف بني كنانة من الأبطح، وأقام هناك بقية يومه ذلك، وليلته، وصلى هناك الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم رقد رقدة، ثم ركب إلى البيت، فطاف به طواف الوداع، وكان قد أمر الصحابة أيضا.
ولما قضى مناسكه حث الركاب إلى المدينة المطهرة، لا ليأخذ حظا من الراحة، بل [1] صحيح البخاري، باب الخطبة أيام منى 1/ 234. [2] رواه الترمذي 2/ 38، 135 وابن ماجة في الحج، مشكاة المصابيح 1/ 234. [3] أبو داود. باب أي يوم يخطب بمنى 1/ 269.