المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئا، ثم اضطجع حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حتى تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه، وكبره، وهلله، ووحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا.
فدفع- من المزدلفة إلى منى- قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس حتى أتى بطن محسر، فحرك قليلا، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة- وهي الجمرة الكبرى نفسها، كانت عندها شجرة في ذلك الزمان، وتسمى بجمرة العقبة وبالجمرة الأولى- فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر- وهي سبع وثلاثون بدنة، تمام المائة- وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر، فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها.
ثم ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر، فأتى على بني عبد المطلب يسقون على زمزم، فقال: «انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم» ، فناولوه دلوا فشرب منه [1] .
وخطب النبي صلّى الله عليه وسلم يوم النحر- عاشر ذي الحجة- أيضا حين ارتفع الضحى، وهو على بغلة شهباء، وعلي يعبر عنه، والناس بين قائم وقاعد [2] . وأعاد في خطبته هذه بعض ما كان ألقاه أمس، فقد روى الشيخان عن أبي بكرة قال: خطبنا النبي صلّى الله عليه وسلم يوم النحر، قال:
«إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم، ثلاث متواليات، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» .
وقال: «أي شهر هذا» ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: «أليس ذا الحجة» ؟ قلنا: بلى. قال: «أي بلد هذا» ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: «أليست البلدة» ؟ قلنا: بلى. قال: «فأي [1] رواه مسلم عن جابر، باب حجة النبي صلّى الله عليه وسلم 1/ 397، 398، 399، 400. [2] روى ذلك أبو داود، باب أي وقت يخطب يوم النحر 1/ 270.