وقال الشافعي ـ رحمه الله:
إذا المرء أفشى سره بلسانه ... ولام عليه غيره فهو أحمق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه ... فصدر الذي يستودع السر أضيق[1].
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ـ رحمه الله ـ: كن حافظا للسر، معروفا عند الناس بحفظه، فإنهم إذا عرفوا منك هذه الحال أفضوا إليك بأسرارهم، وعذروك إذا طويت عنهم سر غيرك الذي هم عليه مشفقون، وخصوصا إذا كان لك اتصال بكل واحد من المتعادين؛ فإن الوسائل لاستخراج ما عندك تكثر وتتعدد من كل من الطرفين، فإياك إياك أن يظفر أحد منهم بشيء من ذلك تصريحا أو تعريضا، واعلم أن للناس في استخراج ما عند الإنسان طرقا دقيقة، ومسالك خفيفة؛ فاجعل كل احتمال ـ وإن بعد ـ على بالك، ولا تؤت من جهة من جهاتك؛ فإن هذا من الحزم.
واجزم بأنك لا تندم على الكتمان، وإنما الضرر والندم في العجلة والتسرع، والوثوق بالناس ثقة تحملك على ما يضر"[2].
وإن من حفظ الأسرار، بل مما يدل على صدق الوفاء، وكرم العشيرة ـ أن يحفظ المرء سر صاحبه بعد أن تتصرم حبال المودة بينهما؛ ذلك أن دواعي الإفشاء تقوى في تلك الحالة، فإذا كتم المرء سر صاحبه، وحفظ ما كان له من ود ـ دل ذلك كرم نفسه، ورسوخ قدمه في الفضيلة. [1] ديوان الشافعي، ص 64 جمع الزعبي. [2] الرياض الناضرة، ص 210.