ولا يدخل في سوء الظن المذموم ـ الظن بمن أورد نفسه موارد الريب.
ولا يدخل فيه ـ أيضا ـ من أساء الظن بعدوه الذي يخاف منه، ولا يأمن مكره، بل يلزمه سوء الظن به، وبمكائدة ومكره، لئلا يصادف منه غرة فيصيبه من خلالها؛ فهذا من تمام الاحتراز وأخذ الحيطة، وهو محمود على كل حال.
كما أنه ليس من الحزم ولا الكياسة في شيء أن يحسن المرء ظنه بكل أحد، ويثق به ثقة مطلقة، فيبيح له بمكنونه، ويطلعه على كل صغيرة وكبيرة من أمره.
بل إن هذا سذاجة، وبلاهة، وجهل، وغلفة.
14ـ إفشاء الأسرار:
فبعض الناس ما أن يسمع سرا إلا ويضيق به ذرعا، فتراه يبحث عمن يخبره بسره، ويفضي إليه بمكنونه.
وربما ترتب على إفشاء السر عداوة وفسادا عريضا.
وبعض الناس يثق بكل أحد، فيفضي إليه بسره، فإذا انتشر الخبر وذاع لام من أذاعه وأفشاه، وما علم أنه هو الملوم؛ لأنه هو أول من نشره.
قال عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ: "ما وضعت سري عند أحد فلمته على أن يفشيه؛ كيف ألومه وقد ضقت به؟! "[1]. [1] روضة العقلاء، ص 188.