بالظاهر، ونكل أمر الباطن إلى العليم الخبير، إلا إذا كان التجسس طريقا لدرء مفسدة كبيرة، أو جلب مصلحة عظيمة، كما لو علمنا أن أناسا عزموا على ارتكاب جريمة قتل أو سرقة أو نحو ذلك، فتجسسنا عليهم؛ لنحول بينهم وبين ما يشتهون ـ فلا حرج حينذ.
أما إذا قصد بذلك تتبع العثرات، والفرح بالزلات ـ فهذا هو المحذور الذي لا ينبغي فعله، ولا الإقدام عليه.
وهذا ـ مع بالغ الأسف ـ دأب كثير من الناس، حيث تجده متتبعا لعثرات إخوانه، متناسيا حسناتهم، فإذا سمع قبيحا فرح به ونشر، وإذا سمع حسنا ساءه ذلك وستره.
إن يسمعوا سيئا طاروا به فرحا ... مني وما سمعوا من صالح دفنوا[1].
وكما قال الآخر:
يمشون في الناس يبغون العيوب لمن ... لا عيب فيه لكي يستشرف العطب
إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا ... شرا أذاعوا وإن لم يعلموا كذبوا2
فمن هذا دأبه وديدنه فهو من أحقر الناس، وأسفلهم.
شر الورى بعيوب الناس مشتغل ... مثل الذباب يراعي موطن العلل
قال ابن حبان ـ رحمه الله ـ: "فمن اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمي قلبه، وتعب بدنه، وتعذر عليه ترك عيوب نفسه؛ [1] عيون الأخبار 3/84.
2 روضة العقلا ونزهة الفضلاء لابن حبان البستي، ص 178.