لم يكن هذا فحسب، موقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بل لقد قال في كلمات صريحة: "لا بأس بالغنى لمن اتقى" [1]، بل لقد قال أيضًا: "فنعم صاحب المسلم، ما أعطى منه المسكين، واليتيم، وابن السبيل" [2].
والحق أن القلة التي يصف بها القرآن والسُّنة متاع هذه الدنيا تدعونا إلى أن نزهد ولو قليلًا في هذه المتع الفانية.
بيد أن هذه الزهادة التي يمكن أن تفهم عمومًا بمعنى روحي -لا ينبغي أن تفهم ماديًّا إلا في ظروف شديدة الندرة، كحالة إنسان خلي، منقطع، لا يتطلب نشاطه "ولو على سبيل الصدقة" أي تكليف، من قريب أو من بعيد. فمن الأفضل لهذا الرجل -بلا شك- أنه متى ما أشبع حاجاته الخاصة العاجلة ألا يسعى كثيرًا إلى مزيد من الكسب، بل عليه أن يسخر أعظم جهده لتهذيب قلبه وروحه.
هذه الظروف هي على وجه التحديد ظروف المتصوفة المسلمين، الذين سبقهم على هذا الدرب عدد من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبخاصة أهل الصفة، لكنه كان واجبًا على كل المسلمين أن يكون لهم موقف روحي متحفظ حيال المتع الأرضية، وقدر من التجرد من هذا الحب الزائد، الذي يسخر "الروح" "للمادة"، والذي يجعل من مجرد "الوسيلة" "غاية" حقيقية.
وليس وراء هذين المعنيين أي موقف متنسك مشروع في الإسلام. [1] وبقية الحديث كما جاء في سنن ابن ماجه, كتاب التجارات, باب 1. "والصحة لمن اتقى خير من الغنى، وطيب النفس من النعيم". "المعرب" [2] البخاري, كتاب الزكاة, باب 45. وقد ذكر المؤلف: "صاحب المسلم هو لمن أعطى" والصواب ما أثبتناه.