فإذا ما عدنا إلى نص مشكلتنا لقررنا أن الإنسان المعسر يجب عليه أن يبذل كل طاقته كيما يثري، فهل العكس صحيح؟ هل على إنسان موسر إذن أن يصبح معسرًا؟ كلا، فإن الموقف الإسلامي جد واضح في هذا الصدد.
فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحث كل إنسان على أن يعمل في كسب معاشه بجهده، وهو القائل: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده" [1]، وكان يحرم على الأصحاء أن يسألوا الآخرين إحسانهم، وهو القائل: "لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه" [2] و "لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي" [3].
كما كان يحرم على الموسرين أن يعرضوا أنفسهم، أو يعرضوا ذويهم لتلك الحالة المحزنة، سواء بالإسراف، أو بالوصية بالثروة كاملة، وهو القائل لمن أراد أن ينخلع من ماله صدقة إلى الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- رجاء التوبة: "أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك" [4]، ولمن أراد أن يوصي بثلثي ماله أو بشطره: "لا، الثلث، والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" [5]، وأيضًا: "يأتي أحدكم بما يملك فيقول: هذه صدقة، يقعد يستكف الناس". "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" [6]. [1] البخاري, كتاب البيوع, باب 15, وذكر المؤلف النص هكذا "خيرًا من كسب يده" والصواب ما أثبتناه. "المعرب". [2] البخاري السابق، وقد نقل المؤلف رواية هذا الحديث عن مسلم, كتاب الزكاة, باب 34: "لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره فيتصدق به ويستغني ... خير له من أن يسأل". وإن لم يشر إلى المرجع المذكور بدقة. "المعرب". [3] ابن ماجه, كتاب الزكاة, باب 26. "المعرب". [4] البخاري, كتاب وجوب الزكاة, باب 17. [5] صحيح مسلم, كتاب الوصية, باب 2. [6] أبو داود, كتاب الزكاة, باب 38.