يدعو فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلًّا منا ألا يدع مجال عمله الذي اعتاده ما لم تنقلب أحوال هذا العمل ضده: "فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا سبب الله لأحدكم رزقًا من وجه فلا يدعه حتى يتغير له، أو يتنكر له"[1]، فإذا ما نقلنا هذا القول من المجال الاجتماعي إلى المجال الأخلاقي -ألا نستطيع أن نؤكد أن الإنسان حين يكون بحيث يستطيع الوفاء بواجبه الحالي كاملًا، يجب عليه أن يلتزم به، وأن يثبت عليه ولا شيء يضطره إلى أن ينشئ جوًّا مصطنعًا ينهضه إلى واجب مضاد؟
ومع ذلك فلا حاجة بنا أن نلجأ إلى هذا التعليل القياسي، ما دمنا نجد نفس النصيحة في الميدان الأخلاقي، وذلك عندما أراد أهل ضاحية من ضواحي المدينة أن يبيعوا ديارهم ليستقروا بالمدينة قريبًا من المسجد: "فعن جابر بن عبد الله قال: خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لهم: "إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد". قالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك، فقال: " يا بني سلمة، دياركم، تكتب آثاركم، دياركم، تكتب آثاركم" [2].
ومن المسلم في بعض الحالات أن الواجب قد لا يتطلب تعديلًا، بل تغييرًا، [1] سنن ابن ماجه, كتاب التجارة, باب 4. [2] صحيح مسلم, كتاب المساجد, باب 50. ونلاحظ في هذا المثال أن أي حل آخر سوف يكون مناقضًا، ذلك أن الضاحية تحمي المدينة بصورة ما، فلو أن الناس جميعًا هجروا الأرباض والضواحي لأصبحت المدينة بلا دفاع، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى. لو أن الناس شجعوا على أن يسرعوا إلى مكان معين لنشب بينهم الخلاف، وفشت الخصومة.