نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 88
{قال} أفلا أكون عبداً شكوراً // حديث عائشة لما قالت له غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فما هذا البكاء الحديث رواه ابو الشيخ وهو بقية حديث عطاء عنها المتقدم قبل هذا بتسعة أحاديث وهو عند مسلم من رواية عروة عنها مختصرا وكذلك هو في الصحيحين مختصرا من حديث المغيرة بن شعبة معناه أفلا أكون طالباً للمزيد في المقامات فإن الشكر سبب الزيادة حيث قال تعالى {لئن شكرتم لأزيدنكم}
واذا تغلغنا في بحار المكاشفة فلنقبض العنان ولنرجع إلى ما يليق بعلوم المعاملة فنقول الأنبياء عليهم السلام بعثوا لدعوة الحق إلى كمال التوحيد الذي وصفناه ولكن بينهم وبين الوصول إليه مسافة بعيدة وعقبات شديدة وإنما الشرع كله تعريف طريق سلوك تلك المسافة وقطع تلك العقبات وعند ذلك يكون النظر عن مشاهدة أخرى ومقام آخر فيظهر في ذلك المقام بإضافة إلى تلك المشاهدة الشكر والشاكر والمشكور ولا يعرف ذلك إلا بمثال فأقول يمكنك أن تفهم أن ملكاً من الملوك ارسل الى عبد قد بعد منه مركوبا وملبوسا ونقد الاجل زاده في الطريق حتى يقطع به مسافة البعد ويقرب من حضرة الملك ثم يكون له حالتان إحداهما أن يكون قصده من وصول العبد إلى حضرته أن يقوم ببعض مهماته ويكون له عناية في خدمته والثانية أن لا يكون للملك حظ في العبد ولا حاجة به إليه بل حضوره لا يزيد في ملكه لأنه لا يقوى على القيام بخدمة تغني فيه غناء وغيبته لا تنقص من ملكه فيكون قصد من الإنعام عليه بالمركوب والزاد أن يحظى العبد بالقرب منه وينال سعادة حضرته لينتفع هو في نفسه لا لينتفع الملك به وبانتفاعه فمنزل العباد من الله تعالى في المنزلة الثانية لا في المنزلة الأولى فإن الأولى محال على الله تعالى والثانية غير محال ثم اعلم أن العبد لا يكون شاكراً في الحالة الأولى بمجرد الركوب والوصول إلى حضرته ما لم يقم بخدمته التي أرادها الملك منه وأما في الحالة الثانية فلا يحتاج إلى الخدمة أصلاً ومع ذلك يتصور أن يكون شاكراً وكافراً ويكون شكره بأن يستعمل ما أنفذه إليه مولاه فيما أحبه لأجله لا لأجل نفسه وكفره أن لا يستعمل ذلك فيه بأن يعطله أو يستعمله فيما يزيد في بعده منه فمهما لبس العبد الثوب وركب الفرس ولم ينفق الزاد إلا في الطريق فقد شكره مولاه إذ اسْتَعْمَلَ نِعْمَتَهُ فِي مَحَبَّتِهِ أَيْ فِيمَا أَحَبَّهُ لعبده لا لنفسه وإن ركبه واستدبر حضرته وأخذ يبعد منه فقد كفر نعمته أي استعملها فيما كرهه مولاه لعبده لا لنفسه وإن جلس ولم يركب لا في طلب القرب ولا في طلب البعد فقد كفر أيضاً نعمته إِذَا أَهْمَلَهَا وَعَطَّلَهَا وَإِنْ كَانَ هَذَا دُونَ ما لو بعد منه فكذلك خلق الله سبحانه الخلق وهم في ابتداء فطرتهم يحتاجون إلى استعمال الشهوات لتكمل بها أبدانهم فيبعدون بها عن حضرته وإنما سعادتهم في القرب منه فأعد لهم من النعم ما يقدرون على استعماله في نيل درجة القرب وعن بعدهم وقربهم عبر الله تعالى إذ قال {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا} الآية فإذن نعم الله تعالى آلات يترقى العبد بها عن أسفل السافلين خلقها الله تعالى لأجل العبد حتى ينال بها سعادة القرب والله تعالى غني عنه قرب أم بعد والعبد فيها بين أن يستعملها في الطاعة فيكون قد شكر لموافقة محبة مولاه وبين أن يستعملها في معصيته فقد كفر لاقتحامه ما يكرهه مولاه ولا يرضاه له فإن الله لا يرضى لعباده الكفر والمعصية وإن عطلها ولم يستعملها في طاعة ولا معصية فهو أيضاً كفر كفران إن لِلنِّعْمَةِ بِالتَّضْيِيعِ وَكُلُّ مَا خُلِقَ فِي الدُّنْيَا إِنَّمَا خُلِقَ آلَةً لِلْعَبْدِ لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى سعادة الآخرة ونيل القرب من الله تعالى فكل مطيع فهو بقدر طاعته شاكر نعمة الله في الأسباب التي استعملها في الطاعة وكل كسلان ترك الاستعمال أو عاص استعملها في طريق البعد فهو كافر جار في غير محبة الله تعالى فالمعصية والطاعة تشملهما المشيئة ولكن لا تشملهما المحبة والكراهة بل رب مراد
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 88