نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 89
محبوب ورب مراد مكروه ووراء بيان هذه الدقيقة سر القدر الذي منع من إفشائه وقد انحل بهذا الإشكال الأول وهو أنه إذا لم يكن للمشكور حظ فكيف يكون الشكر وبهذا أيضاً ينحل الثاني فإنا لم نعن بالشكر إلا انصراف نعمة الله في جهة محبة الله فإذا انصرفت النعمة في جهة المحبة بفعل الله فقد حصل المراد وفعلك عطاء من الله تعالى ومن حيث أنت محله فقد أثنى عليك وثناؤه نعمة أخرى منه إليك فهو الذي أعطى وهو الذي أثنى وصار أحد فعليه سبباً لانصراف فعله الثاني إلى جهة محبته فله الشكر على كل حال وأنت موصوف بأنك شاكر بمعنى أنك محل المعنى الذي الشكر عبارة عنه لا بمعنى أنك موجب له كما أنك موصوف بأنك عارف وعالم لا بمعنى أنك خالق للعلم وموجده ولكن بمعنى أنك محل له وقد وجد بالقدرة الأزلية فيك فوصفك بأنك شاكر إثبات شيئية لك وأنت شيء إذ جعلك خالق الأشياء شيئاً وإنما أنت لا شيء إذا كنت أنت ظانا لنفسك شيئاً من ذاتك فأما باعتبار النظر إلى الذي جعل الأشياء شيئاً فأنت شيء إذ جعلك شيئاً فإن قطع النظر عن جعله كنت لا شيء تحقيقياً وإلى هذا أشار صلى الله الله عليه وسلم حيث قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له // حديث اعملوا فكل ميسر لما خلق له من حديث على وعمران بن حصين لما قيل له يا رسول الله ففيم العمل إذا كانت الأشياء قد فرغ منها من قبل فتبين أن الخلق مجاري قدرة الله تعالى ومحل أفعاله وإن كانوا هم أيضاً من أفعاله ولكن بعض أفعاله محل للبعض وقوله {اعملوا} وإن كان جارياً على لسان الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فهو فعل من أفعاله وهو سبب لعلم الخلق أن العمل نافع وعلمهم فعل من أفعال الله تعالى والعلم سبب لانبعاث داعية جازمة إلى الحركة والطاعة وانبعاث الداعية أيضاً من أفعال الله تعالى وهو سبب لحركة الأعضاء وهي أيضاً من أفعال الله تعالى ولكن بعض أفعاله سبب للبعض أي الأول شرط للثاني كما كان خلق الجسم سبباً لخلق العرض إذ لا يخلق العرض قبله وخلق الحياة شرط لخلق العلم وخلق العلم شرط لخلق الإرادة والكل من أفعال الله تعالى وبعضها سبب للبعض أي هو شرط ومعنى كونه شرطاً أنه لا يستعد لقبول فعل الحياة إلا جوهر ولا يستعد لقبول العلم إلا ذو حياة ولا لقبول الارادة الاذو علم فيكون بعض أفعاله سبباً للبعض بهذا المعنى لا بمعنى أن بعض أفعاله موجد لغيره بل ممهد شرط الحصول لغيره وهذا إذا حقق ارتقى إلى درجة التوحيد الذي ذكرناه
فإن قلت فلم قال الله تعالى اعملوا وإلا فأنتم معاقبون مذمومون على العصيان وما إلينا شيء فكيف نذم وإنما الكل إلى الله تعالى فاعلم أن هذا القول من الله تعالى سبب لحصول اعتقاد فينا والاعتقاد سبب لهيجان الخوف وهيجان الخوف سبب لترك الشهوات والتجافي عن دار الغرور وذلك سبب للوصول إلى جوار الله والله تعالى مسبب الأسباب ومرتبها فمن سبق له في الأزل السعادة يسر له هذه الأسباب حتى يقوده بسلسلتها إلى الجنة ويعبر عن مثله بأن كلاً ميسر لما خلق له ومن لم يسبق له من الله الحسنى بعد عن سماع كلام الله تعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام العلماء فإذا لم يسمع لم يعلم وإذا لم يعلم لم يخف وإذا لم يخف لم يترك الركون إلى الدنيا وإذا لم يترك الركون إلى الدنيا بقي في حزب الشيطان وإن جهنم لموعدهم أجمعين فإذا عرفت هذا تعجبت من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل فما من أحد إلا وهو مقود الى الجنة بسلاسل الأسباب وهو تسليط العلم والخوف عليه وما من مخذول إلا وهو مقود إلى النار بالسلاسل وهو تسليط الغفلة والأمن والغرور عليه فالمتقون يساقون إلى الجنة قهرا والمجرمون يقادون إلى النار قهراً ولا قاهر إلا الله الواحد القهار
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 89