نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 87
أن الذي قبله جاحد تحقيقاً فإن جاوز حد العمى إلى العمش أدرك تفاوتاً بين الموجودين فأثبت عبداً ورباً فبهذا القدر من إثبات التفاوت والنقص من الموجود الآخر دخل في حد التوحيد ثم إن كحل بصره بما يزيد في أنواره فيقل عمشه وبقدر ما يزيد في بصره يظهر له نقصان ما أثبته سوى الله تعالى فإن بقي في سلوكه كذلك فلا يزال يفضي به النقصان إلى المحو فينمحي عن رؤية ما سوى الله فلا يرى إلا الله ليكون قد بلغ كمال التوحيد وحيث أدرك نقصاً في وجود ما سوى الله تعالى دخل في أوائل التوحيد وبينهما درجات لا تحصى فبهذا تتفاوت درجات الموحدين وكتب الله المنزلة على ألسنة رسله هي الكحل الذي به يحصل أنوار الأبصار والأنبياء هم الكحالون وقد جاءوا داعين إلى التوحيد المحض وترجمته قول لا إله إلا الله ومعناه أن لا يرى إلا الواحد الحق والواصلون إلى كمال التوحيد هم الأقلون والجاحدون والمشركون أيضاً قليلون وهم على الطرف الأقصى المقابل لطرف التوحيد إذ عبدة الأوثان قالوا {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} فكانوا داخلين في أوائل أبواب التوحيد دخولاً ضعيفاً والمتوسطون هم الأكثرون وفيهم من تنفتح بصيرته في بعض الأحوال فتلوح له حقائق التوحيد ولكن كالبرق الخاطف لا يثبت وفيهم من يلوح له ذلك ويثبت زماناً ولكن لا يدوم والدوام فيه عزيز
لكل إلى شأو العلا حركات ... ولكن عزيز في الرجال ثبات
ولما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب القرب فقيل له {واسجد واقترب} قال في سجوده أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك [1] حديث إنه ليغان على قلبي الحديث تقدم في التوبة وقبله في الدعوات فكان ذلك لترقيه إلى سبعين مقاماً بعضها فوق البعض أولها وإن كان مجاوزاً أقصى غايات الخلق ولكن كان نقصاناً بالإضافة إلى آخرها فكان استغفاره لذلك ولما قالت عائشة رضي الله عنها أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فما هذا البكاء في السجود وما هذا الجهد الشديد [1] حديث قال في سجوده أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك الحديث اخرجه مسلم من حديث عائشة أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك الحديث فقوله صلى الله عليه وسلم أعوذ بعفوك من عقابك كلام عن مشاهدة فعل الله فقط فكأنه لم ير إلا الله وأفعاله فاستعاذ بفعله من فعله ثم اقترب ففني عن مشاهدة الأفعال وترقى إلى مصادر الأفعال وهي الصفات فقال أعوذ برضاك من سخطك وهما صفتان ثم رأى ذلك نقصاناً في التوحيد فاقترب ورقي من مقام مشاهدة الصفات إلى مشاهدة الذات فقال وأعوذ بك منك وهذا فرار منه إليه من غير رؤية فعل وصفة ولكنه رأى نفسه فاراً منه إليه ومستعيذاً ومثنياً ففني عن مشاهدة نفسه اذ رأى ذلك نقصاناً واقترب فقال لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك فقوله صلى الله عليه وسلم لا أحصي خبر عن فناء نفسه وخروج عن مشاهدتها وقوله أنت كما أثنيت على نفسك بيان أنه المثني والمثني عليه وأن الكل منه بدأ وإليه يعود وأن كل شيء هالك إلا وجهه فكان أول مقاماته نهاية مقامات الموحدين وهو أن لا يرى إلا الله تعالى وأفعاله فيستعيذ بفعل من فعل فانظر إلى ماذا انتهت نهايته اذ انتهى إلى الواحد الحق حتى ارتفع من نظره ومشاهدته سوى الذات الحق ولقد كان صلى الله عليه وسلم لا يرقى من رتبة إلى أخرى إلا ويرى الأولى بعداً بالإضافة إلى الثانية فكان يستغفر الله من الأولى ويرى ذلك نقصاً في سلوكه وتقصيراً في مقامه وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي حَتَّى أَسْتَغْفِرَ اللَّهَ في اليوم والليلة سبعين مرة
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 87