responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 141
أَحَدٌ أَنْ يَنْقُلَ عَنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ الَّذِينَ لَهُمْ فِي الْأُمَّةِ لِسَانُ صِدْقٍ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ، بَلْ نَشْهَدُ بِاَللَّهِ وَاَللَّهِ أَنَّ الْأَئِمَّةَ لَا تُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَنَّ هَذَا نَفْسُ قَوْلِهِمْ، وَقَدْ أَعَاذَهُمْ اللَّهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الْغَلَطُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَيْهِمْ فِي فَهْمِ أَقْوَالِهِمْ، كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ مَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْفَتْوَى مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا.
مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْفُقَهَاءُ فِي رَجُلٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، هَلْ يَصِحُّ وَيَتَقَيَّدُ الِاسْتِحْقَاقُ بِكَوْنِهِ مِنْهُمْ؟ فَأَجَابَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ، وَتَقْيِيدِ الِاسْتِحْقَاقِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ، وَقَالَ: هَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا، وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ شَيْخُنَا عَلَيْهِ غَايَةَ الْإِنْكَارِ، وَقَالَ: مَقْصُودُ الْفُقَهَاءِ بِذَلِكَ أَنَّ كَوْنَهُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَيْسَ مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ أَوْ بِالتَّعْيِينِ، وَلَيْسَ مَقْصُودُهُمْ أَنَّ الْكُفْرَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ أَوْ عِبَادَةَ الصَّلِيبِ، وَقَوْلَهُمْ إنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ اللَّهِ شَرْطٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْوَقْفِ، حَتَّى إنَّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّبَعَ دِينَ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْوَقْفِ، فَيَكُونُ حِلُّ تَنَاوُلِهِ مَشْرُوطًا بِتَكْذِيبِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْكُفْرِ بِدِينِ الْإِسْلَامِ، فَفَرَّقَ بَيْنَ كَوْنِ وَصْفِ الذِّمَّةِ مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ الْوَقْفِ، وَبَيْنَ كَوْنِهِ مُقْتَضِيًا؛ فَغَلُظَ طَبْعُ هَذَا الْفَتَى، وَكَثُفَ فَهْمُهُ، وَغَلُظَ حِجَابُهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُمَيِّزْ.
وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يَقِفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ، فَهَذَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ غَنِيًّا أَوْ ذَا قَرَابَةٍ فَلَا يَكُونُ الْغِنَى مَانِعًا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جِهَةُ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ الْغِنَى، فَيَسْتَحِقُّ مَا دَامَ غَنِيًّا، فَإِذَا افْتَقَرَ وَاضْطَرَّ إلَى مَا يُقِيمُ أَوَدَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ تَنَاوُلُ الْوَقْفِ، فَهَذَا لَا يَقُولُهُ إلَّا مَنْ حُرِمَ التَّوْفِيقَ وَصَحِبَهُ الْخِذْلَانُ، وَلَوْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَاشْتَدَّ إنْكَارُهُ وَغَضَبُهُ عَلَيْهِ، وَلَمَا أَقَرَّهُ أَلْبَتَّةَ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَى رَجُلًا مِنْ أُمَّتِهِ قَدْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَكُونُ مِنْ الرِّجَالِ عَزَبًا غَيْرَ مُتَأَهِّلٍ، فَإِذَا تَأَهَّلَ حَرَّمَ عَلَيْهِ تَنَاوُلَ الْوَقْفِ لَاشْتَدَّ غَضَبُهُ وَنَكِيرُهُ عَلَيْهِ، بَلْ دِينُهُ يُخَالِفُ هَذَا، فَإِنَّهُ كَانَ إذَا جَاءَهُ مَالٌ أَعْطَى الْعَزَبَ حَظًّا، وَأَعْطَى الْآهِلَ حَظَّيْنِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ ثَلَاثَةً عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ، فَذَكَرَ مِنْهُمْ النَّاكِحُ يُرِيدُ الْعَفَافَ، وَمُلْتَزِمُ هَذَا الشَّرْطِ حَقٌّ عَلَيْهِ عَدَمُ إعَانَةِ النَّاكِحِ.
وَمِنْ هَذَا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْوَقْفَ إلَّا مَنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مِنْ طَلَبِ النُّصُوصِ وَمَعْرِفَتِهَا، وَالتَّفَقُّهِ فِي مُتُونِهَا، وَالتَّمَسُّكِ بِهَا، إلَى الْأَخْذِ بِقَوْلِ فَقِيهٍ مُعَيَّنٍ يَتْرُكُ لِقَوْلِهِ قَوْلَ مَنْ سِوَاهُ، بَلْ يَتْرُكُ النُّصُوصَ لِقَوْلِهِ، فَهَذَا شَرْطٌ مِنْ أَبْطَلْ الشُّرُوطِ، وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا شَرَطَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ لَا يَقْضِيَ إلَّا بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ بَطَلَ الشَّرْطُ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْتِزَامُهُ.
وَفِي بُطْلَانِ التَّوْلِيَةِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى بُطْلَانِ الْعُقُودِ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَطَرْدُ هَذَا أَنَّ الْمُفْتِيَ مَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَلَا يُفْتِيَ إلَّا بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ بَطَلَ الشَّرْطُ،

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 141
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست