responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 140
الْمُعَيَّنَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ تَرَكَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْعِلْمِ النَّافِعِ، وَجَهِلَ أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ، وَجَهِلَ أَسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحْكَامَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الصِّنْفَ مِنْ شِرَارِ خَلْقِ اللَّهِ، وَأَمْقَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَهُمْ خَاصَّةُ الشَّيْطَانِ وَأَوْلِيَاؤُهُ وَحِزْبُهُ {أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: 19]
وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُقْرَأَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ شَيْءٌ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِ الصِّفَاتِ، كَمَا أَمَرَ بِهِ بَعْضُ أَعْدَاءِ اللَّهِ مِنْ الْجَهْمِيَّةِ لِبَعْضِ الْمُلُوكِ، وَقَدْ وَقَفَ مَسْجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَمَضْمُونُ هَذَا الشَّرْطِ الْمُضَادِّ لِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ أَنْ يُعَطِّلَ أَكْثَرَ آيَاتِ الْقُرْآنِ عَنْ التِّلَاوَةِ وَالتَّدَبُّرِ وَالْتَفَّهُمْ، وَكَثِيرًا مِنْ السُّنَّةِ أَوْ أَكْثَرَهَا عَنْ أَنْ تُذْكَرَ أَوْ تُرْوَى أَوْ تُسْمَعَ أَوْ يُهْتَدَى بِهَا، وَيُقَامُ سُوقُ التَّجَهُّمِ وَالْكَلَامِ الْمُبْتَدَعِ الْمَذْمُومِ الَّذِي هُوَ كَفِيلٌ بِالْبِدَعِ وَالضَّلَالَةِ وَالشَّكِّ وَالْحَيْرَةِ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يَقِفَ مَكَانًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ مَدْرَسَةً أَوْ رِبَاطًا عَلَى طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ النَّاسِ دُونَ غَيْرِهِمْ، كَالْعَجَمِ مَثَلًا أَوْ الرُّومِ أَوْ التُّرْكِ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَهَذَا مِنْ أَبْطَلْ الشُّرُوطِ؛ فَإِنَّ مَضْمُونَهُ أَنَّ أَقَارِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذُرِّيَّةَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، وَلَا يَنْزِلُوا فِي هَذَا الرِّبَاطِ أَوْ الْمَدْرَسَةِ أَوْ الْخَانْقَاهْ، بَلْ لَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَهْلُ بَدْرٍ وَأَهْلُ بَيْعَةِ الرَّضْوَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بَيْنَ أَظْهُرِنَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ النُّزُولُ بِهَذَا الْمَكَانِ الْمَوْقُوفِ.
وَهَذِهِ الشُّرُوطُ وَالِاشْتِغَالُ بِهَا وَالِاعْتِدَادُ بِهَا مِنْ أَسْمَجِ الْهَذَيَانِ، وَلَا تَصْدُرُ مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ، وَلَا يُنَفِّذُهَا مَنْ شَمَّ رَوَائِحَ الْعِلْمِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْمُقِيمُونَ بِهَذِهِ الْأَمْكِنَةِ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ كَالشِّيعَةِ وَالْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْمُبْتَدَعِينَ فِي أَعْمَالِهِمْ كَأَصْحَابِ الْإِشَارَاتِ وَالْإِذْنِ وَالشَّيِّرِ وَالْعَنْبَرِ وَأَكْلِ الْحَيَّاتِ وَأَصْحَابِ النَّارِ، وَأَشْبَاهِ الذِّئَابِ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالرَّقْصِ، وَلَمْ يَصِحَّ هَذَا الشَّرْطُ، وَكَانَ غَيْرُهُمْ أَحَقَّ بِالْمَكَانِ مِنْهُمْ، وَشُرُوطُ اللَّهِ أَحَقُّ.
فَهَذِهِ الشُّرُوطُ وَأَضْعَافُهَا وَأَضْعَافُ أَضْعَافِهَا مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَهُوَ مَا شَرَعَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، دُونَ مَا لَمْ يَشْرَعْهُ، فَكَيْفَ بِمَا شَرَعَ خِلَافَهُ، وَالْوَقْفُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى الْقُرَبِ وَالطَّاعَاتِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَصْرِفِهِ وَجِهَتِهِ وَشَرْطِهِ؛ فَإِنَّ الشَّرْطَ صِفَةٌ وَحَالٌ فِي الْجِهَةِ وَالْمَصْرِفِ، فَإِذَا اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْمَصْرِفُ قُرْبَةً وَطَاعَةً فَالشَّرْطُ كَذَلِكَ، وَلَا يَقْتَضِي الْفِقْهُ إلَّا هَذَا، وَلَا يُمْكِنُ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 140
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست