responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 142
وَطَرْدُهُ أَيْضًا أَنَّ الْوَاقِفَ مَتَى شَرَطَ عَلَى الْفَقِيهِ أَنْ لَا يَنْظُرَ وَلَا يَشْتَغِلَ إلَّا بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ بِحَيْثُ يَهْجُرُ لَهُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفَتَاوَى الصَّحَابَةِ وَمَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ؛ لَمْ يَصِحَّ هَذَا الشَّرْطُ قَطْعًا، وَلَا يَجِبُ الْتِزَامُهُ، بَلْ وَلَا يَسُوغُ.
وَعَقْدُ هَذَا الْبَابِ وَضَابِطُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ إنَّمَا هُوَ التَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَأَنْ يُطَاعَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَأَنْ يُقَدَّمَ مَنْ قَدَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيُؤَخَّرَ مَنْ أَخَّرَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، [وَيُعْتَبَرَ مَا اعْتَبَرَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيُلْغَى مَا أَلْغَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ] ، وَشُرُوطُ الْوَاقِفِينَ لَا تَزِيدُ عَلَى نَذْرِ النَّاذِرِينَ، فَكَمَا أَنَّهُ لَا يُوَفِّي مِنْ النُّذُورِ إلَّا بِمَا كَانَ طَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ إلَّا مَا كَانَ طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْوَاقِفُ إنَّمَا نَقَلَ مَالَهُ لِمَنْ قَامَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَهُوَ الَّذِي رَضِيَ بِنَقْلِ مَالِهِ إلَيْهِ، وَلَمْ يَرْضَ بِنَقْلِهِ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ، فَالْوَقْفُ يَجْرِي مَجْرَى الْجَعَالَةِ، فَإِذَا بَذَلَ الْجَاعِلُ مَالَهُ لِمَنْ يَعْمَلُ عَمَلًا لَمْ يَسْتَحِقَّهُ مِنْ عَمَلِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فِي الْفَضْلِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
قِيلَ: هَذَا مَنْشَأُ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ الَّذِي قَامَ بِقُلُوبِ ضَعَفَةِ الْمُتَفَقِّهِينَ، فَالْتَزَمُوا، وَأَلْزَمُوا مِنْ الشُّرُوطِ بِمَا غَيْرُهُ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ، وَأَرْضَى لَهُ مِنْهُ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ بِالضَّرُورَةِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ الدِّينِ.
وَجَوَابُ هَذَا الْوَهْمِ أَنَّ الْجَاعِلَ يَبْذُلُ مَالَهُ فِي غَرَضِهِ الَّذِي يُرِيدُهُ، إمَّا مُحَرَّمًا أَوْ مَكْرُوهًا أَوْ مُبَاحًا أَوْ مُسْتَحَبًّا أَوْ وَاجِبًا؛ لِيَنَالَ غَرَضَهُ الَّذِي بَذَلَ فِيهِ مَالَهُ، وَأَمَّا الْوَاقِفُ فَإِنَّمَا يَبْذُلُ مَالَهُ فِيمَا يُقَرِّبُهُ إلَى اللَّهِ وَثَوَابِهِ، فَهُوَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ تَمَكُّنٌ مِنْ بَذْلِ مَالِهِ فِي أَغْرَاضِهِ أَحَبَّ أَنْ يَبْذُلَهُ فِيمَا يُقَرِّبُهُ إلَى اللَّهِ وَمَا هُوَ أَنْفَعُ لَهُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَلَا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّ هَذَا غَرَضُ الْوَاقِفِينَ، بَلْ وَلَا يَشُكُّ وَاقِفٌ أَنَّ هَذَا غَرَضُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَلَّكَهُ الْمَالَ؛ لِيَنْتَفِعَ بِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ؛ لِيَنْتَفِعَ بِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَلَمْ يُمَلِّكْهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مَا كَانَ يَفْعَلُ بِهِ فِي حَيَاتِهِ، بَلْ حَجَرَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَمَلَّكَهُ ثُلُثَهُ يُوصِي بِهِ بِمَا يَجُوزُ وَيَسُوغُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ، حَتَّى إنْ حَافَ أَوْ جَارَ أَوْ أَثِمَ فِي وَصِيَّتِهِ جَازَ بَلْ وَجَبَ عَلَى الْوَصِيِّ وَالْوَرَثَةِ رَدُّ ذَلِكَ الْجَوْرِ وَالْحَيْفِ وَالْإِثْمِ، وَرَفَعَ سُبْحَانَهُ الْإِثْمَ عَمَّنْ يَرُدُّ ذَلِكَ الْحَيْفَ وَالْإِثْمَ، مِنْ الْوَرَثَةِ وَالْأَوْصِيَاءِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي تَحْبِيسِ مَالِهِ بَعْدَهُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يُقَرِّبُهُ إلَيْهِ، وَيُدْنِيهِ مِنْ رِضَاهُ، لَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَرَادَ، وَلَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي تَحْبِيسِ مَالِهِ بَعْدَهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَرَادَهُ أَبَدًا.
فَأَيْنَ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَوْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 142
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست