responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 93
فَإِنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِمَكَانٍ وَمَنْزِلَةٍ عَظِيمَةٍ وَإِنَّهُ مِنْ أَقْوَى دَعَائِمِ الدِّينِ وَأَوْثَقِ عُرَاهُ وَأَجَلِّ أُصُولِهِ.
وَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ، كَيْفَ تَزُولُ مَفْسَدَةُ التَّحْلِيلِ الَّذِي أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَعْنِ فَاعِلِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِتَسْبِيقِ شَرْطِهِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى صُلْبِ الْعَقْدِ وَخَلَاءِ صُلْبِ الْعَقْدِ مِنْ لَفْظِهِ وَقَدْ وَقَعَ التَّوَاطُؤُ وَالتَّوَافُقُ عَلَيْهِ؟ وَأَيُّ غَرَضٍ لِلشَّارِعِ؟ وَأَيُّ حِكْمَةٍ فِي تَقْدِيمِ الشَّرْطِ وَتَسْبِيقِهِ حَتَّى تَزُولَ بِهِ اللَّعْنَةُ وَتَنْقَلِبَ بِهِ خَمْرَةُ هَذَا الْعَقْدِ خَلًّا؟ وَهَلْ كَانَ عَقْدُ التَّحْلِيلِ مَسْخُوطًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ لِحَقِيقَتِهِ وَمَعْنَاهُ، أَمْ لِعَدَمِ مُقَارَنَةِ الشَّرْطِ لَهُ وَحُصُولِ صُورَةِ نِكَاحِ الرَّغْبَةِ مَعَ الْقَطْعِ بِانْتِفَاءِ حَقِيقَتِهِ وَحُصُولِ حَقِيقَةِ نِكَاحِ التَّحْلِيلِ؟ وَهَكَذَا الْحِيَلُ الرِّبَوِيَّةُ؛ فَإِنَّ الرِّبَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا لِصُورَتِهِ وَلَفْظِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ حَرَامًا لِحَقِيقَتِهِ الَّتِي امْتَازَ بِهَا عَنْ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ؛ فَتِلْكَ الْحَقِيقَةُ حَيْثُ وُجِدَتْ وُجِدَ التَّحْرِيمُ فِي أَيِّ صُورَةٍ رُكِّبَتْ وَبِأَيِّ لَفْظٍ عَبَّرَ عَنْهَا؛ فَلَيْسَ الشَّأْنُ فِي الْأَسْمَاءِ وَصُوَرِ الْعُقُودِ، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي حَقَائِقِهَا وَمَقَاصِدِهَا وَمَا عُقِدَتْ لَهُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْيَهُودَ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِعَيْنِ الشَّحْمِ، وَإِنَّمَا انْتَفَعُوا بِثَمَنِهِ، وَيَلْزَمُ مَنْ رَاعَى الصُّوَرَ وَالظَّوَاهِرَ وَالْأَلْفَاظَ دُونَ الْحَقَائِقِ وَالْمَقَاصِدِ أَنْ لَا يُحَرِّمَ ذَلِكَ، فَلَمَّا لُعِنُوا عَلَى اسْتِحْلَالِ الثَّمَنِ - وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ لَهُمْ عَلَى تَحْرِيمِهِ - عُلِمَ أَنَّ الْوَاجِبَ النَّظَرُ إلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَقْصُودِ لَا إلَى مُجَرَّدِ الصُّورَةِ، وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يُقَالَ لِرَجُلٍ: لَا تَقْرَبْ مَالَ الْيَتِيمِ، فَيَبِيعُهُ وَيَأْخُذُ عِوَضَهُ وَيَقُولُ: لَمْ أَقْرَبِ مَالَهُ، وَكَمَنْ يَقُولُ لِرَجُلٍ: لَا تَشْرَبْ مِنْ هَذَا النَّهْرِ، فَيَأْخُذُ بِيَدَيْهِ وَيَشْرَبُ بِكَفَّيْهِ وَيَقُولُ: لَمْ أَشْرَبْ مِنْهُ، وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ: لَا تَضْرِبْ زَيْدًا، فَيَضْرِبُهُ فَوْقَ ثِيَابِهِ وَيَقُولُ: إنَّمَا ضَرَبْت ثِيَابَهُ، وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ: لَا تَأْكُلْ مَالَ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ، فَيَشْتَرِي بِهِ سِلْعَةً وَلَا يُعَيِّنُهُ ثُمَّ يَنْقُدُهُ لِلْبَائِعِ وَيَقُولُ: لَمْ آكُلْ مَالَهُ إنَّمَا أَكَلْت مَا اشْتَرَيْته وَقَدْ مَلَكْت ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي لَوْ اسْتَعْمَلَهَا الطَّبِيبُ فِي مُعَالَجَةِ الْمَرْضَى لَزَادَ مَرَضُهُمْ، وَلَوْ اسْتَعْمَلَهَا الْمَرِيضُ كَانَ مُرْتَكِبًا لِنَفْسِ مَا نَهَاهُ عَنْهُ الطَّبِيبُ، كَمَنْ يَقُولُ لَهُ الطَّبِيبُ: لَا تَأْكُلْ اللَّحْمَ فَإِنَّهُ يَزِيدُ فِي مَوَادِّ الْمَرَضِ، فَيَدُقُّهُ وَيَعْمَلُ مِنْهُ هَرِيسَةً وَيَقُولُ: لَمْ آكُلْ اللَّحْمَ، وَهَذَا الْمِثَالُ مُطَابِقٌ لِعَامَّةِ الْحِيَلِ الْبَاطِلَةِ فِي الدِّينِ.
وَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ، أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ بَيْعِ مِائَةٍ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا صَرِيحًا وَبَيْنَ إدْخَالِ سِلْعَةٍ لَمْ تُقْصَدْ أَصْلًا بَلْ دُخُولُهَا كَخُرُوجِهَا؟ وَلِهَذَا لَا يَسْأَلُ الْعَاقِدُ عَنْ جِنْسِهَا وَلَا صِفَتِهَا وَلَا قِيمَتِهَا وَلَا عَيْبٍ فِيهَا وَلَا يُبَالِي بِذَلِكَ أَلْبَتَّةَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ خِرْقَةً مُقَطَّعَةً أَوْ أُذُنَ شَاةٍ أَوْ عُودًا مِنْ حَطَبٍ أَدْخَلُوهُ مُحَلِّلًا لِلرِّبَا، وَلَمَّا تَفَطَّنَ الْمُحْتَالُونَ أَنَّ هَذِهِ السِّلْعَةَ لَا اعْتِبَارَ بِهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ،

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 93
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست