responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 92
عَلَيْهِمْ الشُّحُومَ أَرَادُوا الِاحْتِيَالَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُقَالُ فِي الظَّاهِرِ إنَّهُمْ انْتَفَعُوا بِالشَّحْمِ فَجَمَّلُوهُ وَقَصَدُوا بِذَلِكَ أَنْ يَزُولَ عَنْهُ اسْمُ الشَّحْمِ، ثُمَّ انْتَفَعُوا بِثَمَنِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَكُونَ الِانْتِفَاعُ فِي الظَّاهِرِ بِعَيْنِ الْمُحَرَّمِ، ثُمَّ مَعَ كَوْنِهِمْ احْتَالُوا بِحِيلَةٍ خَرَجُوا بِهَا فِي زَعْمِهِمْ مِنْ ظَاهِرِ التَّحْرِيمِ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَعَنَهُمْ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَذَا الِاسْتِحْلَالِ، نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ، وَأَنَّ حِكْمَةَ التَّحْرِيمِ لَا تَخْتَلِفُ سَوَاءٌ كَانَ جَامِدًا أَوْ مَائِعًا، وَبَدَلُ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَهُ وَيَسُدُّ مَسَدَّهُ، فَإِذَا حَرَّمَ اللَّهُ الِانْتِفَاعَ بِشَيْءٍ حُرِّمَ الِاعْتِيَاضُ عَنْ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ، وَأَمَّا مَا أُبِيحَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَالْخَمْرِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا لِمَنْفَعَةِ الظَّهْرِ الْمُبَاحَةِ لَا لِمَنْفَعَةِ اللَّحْمِ الْمُحَرَّمَةِ، وَهَذَا مَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا، وَإِنَّ اللَّهَ إذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ» يَعْنِي ثَمَنَهُ الْمُقَابِلَ لِمَنْفَعَةِ الْأَكْلِ، فَإِذَا كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ أُخْرَى وَكَانَ الثَّمَنُ فِي مُقَابَلَتِهَا لَمْ يَدْخُلْ فِي هَذَا.
إذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّحْرِيمُ مُعَلَّقًا بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ وَبِظَاهِرٍ مِنْ الْقَوْلِ دُونَ مُرَاعَاةِ الْمَقْصُودِ لِلشَّيْءِ الْمُحَرَّمِ وَمَعْنَاهُ وَكَيْفِيَّتِهِ لَمْ يَسْتَحِقُّوا اللَّعْنَةَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الشَّحْمَ خَرَجَ بِجَمْلِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ شَحْمًا، وَصَارَ وَدَكًا، كَمَا يَخْرُجُ الرِّبَا بِالِاحْتِيَالِ فِيهِ عَنْ لَفْظِ الرِّبَا إلَى أَنْ يَصِيرَ بَيْعًا عِنْدَ مَنْ يَسْتَحِلُّ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ مِائَةً بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى أَجَلٍ فَأَعْطَى سِلْعَةً بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِالثَّمَنِ الْحَالِّ، وَلَا غَرَضَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي السِّلْعَةِ بِوَجْهٍ مَا، وَإِنَّمَا هِيَ كَمَا قَالَ فَقِيهُ الْأُمَّةِ دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ دَخَلَتْ بَيْنَهُمَا حَرِيرَةٌ؛ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مِائَةٍ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا بِلَا حِيلَةٍ أَلْبَتَّةَ، لَا فِي شَرْعٍ وَلَا فِي عَقْلٍ وَلَا عُرْفٍ، بَلْ الْمَفْسَدَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا حَرَّمَ الرِّبَا بِعَيْنِهَا قَائِمَةٌ مَعَ الِاحْتِيَالِ أَوْ أَزْيَدُ مِنْهَا، فَإِنَّهَا تَضَاعَفَتْ بِالِاحْتِيَالِ لَمْ تَذْهَبْ وَلَمْ تَنْقُصْ؛ فَمِنْ الْمُسْتَحِيلِ عَلَى شَرِيعَةِ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ أَنْ يُحَرِّمَ مَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ وَيَلْعَنَ فَاعِلَهُ وَيُؤْذِنَهُ بِحَرْبٍ مِنْهُ وَرَسُولِهِ وَيُوعِدَهُ أَشَدَّ الْوَعِيدِ ثُمَّ يُبِيحَ التَّحَيُّلَ عَلَى حُصُولِ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ سَوَاءٌ مَعَ قِيَامِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ وَزِيَادَتِهَا بِتَعَبِ الِاحْتِيَالِ فِي مَعْصِيَةِ وَمُخَادَعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. هَذَا لَا يَأْتِي بِهِ شَرْعٌ؛ فَإِنَّ الرِّبَا عَلَى الْأَرْضِ أَسْهَلُ وَأَقَلُّ مَفْسَدَةً مِنْ الرِّبَا بِسُلَّمٍ طَوِيلٍ صَعْبِ التَّرَاقِي يَتَرَابَى الْمُتَرَابِيَانِ عَلَى رَأْسِهِ
فَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ، أَيُّ مَفْسَدَةٍ مِنْ مَفَاسِدِ الرِّبَا زَالَتْ بِهَذَا الِاحْتِيَالِ وَالْخِدَاعِ؟ فَهَلْ صَارَ هَذَا الذَّنْبُ الْعَظِيمُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ حَسَنَةً وَطَاعَةً بِالْخِدَاعِ وَالِاحْتِيَالِ؟ وَيَا لِلَّهِ، كَيْفَ قَلَبَ الْخِدَاعُ وَالِاحْتِيَالُ حَقِيقَتَهُ مِنْ الْخَبِيثِ إلَى الطَّيِّبِ وَمِنْ الْمَفْسَدَةِ إلَى الْمَصْلَحَةِ وَجَعَلَهُ مَحْبُوبًا لِلرَّبِّ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ كَانَ مَسْخُوطًا لَهُ؟ وَلَئِنْ كَانَ هَذَا الِاحْتِيَالُ يَبْلُغُ هَذَا الْمَبْلَغَ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 92
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست