responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 147
الَّتِي عَلِمَهَا مَنْ شَرَعَ الْكَفَّارَةَ وَأَحَبَّهَا وَرَضِيَهَا، فَإِبَاحَةُ التَّحَيُّلِ لِإِسْقَاطِهَا بِأَنْ يَتَعَدَّى قَبْلَ الْجِمَاعِ ثُمَّ يُجَامِعَ نَقْضٌ لِغَرَضِ الشَّارِعِ، وَإِبْطَالٌ لَهُ، وَإِعْمَالٌ لِغَرَضِ الْجَانِي الْمُتَحَيِّلِ وَتَصْحِيحٌ لَهُ، ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ جِنَايَةٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْعَبِيدِ؛ فَهُوَ إضَاعَةٌ لِلْحَقَّيْنِ وَتَفْوِيتٌ لَهُمَا.
وَكَذَلِكَ الشَّارِعُ شَرَعَ حُدُودَ الْجَرَائِمِ الَّتِي تَتَقَاضَاهَا أَشَدَّ تَقَاضٍ لِمَا فِي إهْمَالِ عُقُوبَاتِهَا مِنْ مَفَاسِدِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ سِيَاسَةُ مَلِكٍ مَا مِنْ الْمُلُوكِ أَنْ يَخْلُوَ عَنْ عُقُوبَاتِهَا أَلْبَتَّةَ، وَلَا يَقُومُ مُلْكُهُ بِذَلِكَ، فَالْإِذْنُ فِي التَّحَيُّلِ لِإِسْقَاطِهَا بِصُورَةِ الْعَقْدِ وَغَيْرِهِ مَعَ وُجُودِ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ بِعَيْنِهَا أَوْ أَعْظَمَ مِنْهَا نَقْضٌ وَإِبْطَالٌ لِمَقْصُودِ الشَّارِعِ، وَتَصْحِيحٌ لِمَقْصُودِ الْجَانِي، وَإِغْرَاءٌ بِالْمَفَاسِدِ، وَتَسْلِيطٌ لِلنُّفُوسِ عَلَى الشَّرِّ.
وَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ، كَيْفَ يَجْتَمِعُ فِي الشَّرِيعَةِ تَحْرِيمُ الزِّنَا وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ وَقَتْلُ فَاعِلِهِ شَرَّ الْقِتْلَاتِ وَأَقْبَحَهَا وَأَشْنَعَهَا وَأَشْهَرَهَا ثُمَّ يَسْقُطُ بِالتَّحَيُّلِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَسْتَأْجِرَهَا لِذَلِكَ أَوْ لِغَيْرِهِ ثُمَّ يَقْضِيَ غَرَضَهُ مِنْهَا؟ وَهَلْ يَعْجَزُ عَنْ ذَلِكَ زَانٍ أَبَدًا؟ وَهَلْ فِي طِبَاعِ وُلَاةِ الْأَمْرِ أَنْ يَقْبَلُوا قَوْلَ الزَّانِي: أَنَا اسْتَأْجَرْتهَا لِلزِّنَا، أَوْ اسْتَأْجَرْتهَا لِتَطْوِيَ ثِيَابِي ثُمَّ قَضَيْت غَرَضِي مِنْهَا، فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تُقِيمَ عَلَيَّ الْحَدَّ؟ وَهَلْ رَكَّبَ اللَّهُ فِي فِطَرِ النَّاسِ سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْ هَذِهِ الْجَرِيمَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْجَرَائِمِ إفْسَادًا لِلْفِرَاشِ وَالْأَنْسَابِ بِمِثْلِ هَذَا؟ وَهَلْ يُسْقِطُ الشَّارِعُ الْحَكِيمُ الْحَدَّ عَمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ أُمَّهُ أَوْ بِنْتَه أَوْ أُخْتَهُ بِأَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا الْعَقْدَ ثُمَّ يَطَأَهَا بَعْدَ ذَلِكَ؟ وَهَلْ زَادَهُ صُورَةُ الْعَقْدِ الْمُحَرَّمِ إلَّا فُجُورًا وَإِثْمًا وَاسْتِهْزَاءً بِدِينِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ وَلَعِبًا بِآيَاتِهِ؟ فَهَلْ يَلِيقُ بِهِ مَعَ ذَلِكَ رَفْعُ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ عَنْهُ وَإِسْقَاطُهَا بِالْحِيلَةِ الَّتِي فَعَلَهَا مَضْمُومَةً إلَى فِعْلِ الْفَاحِشَةِ بِأُمِّهِ وَابْنَتِهِ؟ فَأَيْنَ الْقِيَاسُ وَذِكْرُ الْمُنَاسِبَاتِ وَالْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ وَالْإِنْكَارِ عَلَى الظَّاهِرِيَّةِ؟ فَهَلْ بَلَغُوا بِالتَّمَسُّكِ بِالظَّاهِرِ عُشْرَ مِعْشَارِ هَذَا؟ وَاَلَّذِي يَقْضِي مِنْهُ الْعَجَبُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَعْتَدُّ بِخِلَافِ الْمُتَمَسِّكِينَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَيَعْتَدُّ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ مُنَزَّهٌ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ.
وَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ، كَيْفَ يَسْقُطُ الْقَطْعُ عَمَّنْ اعْتَادَ سَرِقَةَ أَمْوَالِ النَّاسِ وَكُلَّمَا أُمْسِكَ مَعَهُ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ قَالَ: هَذَا مِلْكِي، وَالدَّارُ الَّتِي دَخَلْتهَا دَارِي، وَالرَّجُلُ الَّذِي دَخَلْت دَارِهِ عَبْدِي؟ قَالَ أَرْبَابُ الْحِيَلِ: فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ بِدَعْوَى ذَلِكَ، فَهَلْ تَأْتِي بِهَذَا سِيَاسَةٌ قَطُّ جَائِرَةٌ أَوْ عَادِلَةٌ، فَضْلًا عَنْ شَرِيعَةِ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، فَضْلًا عَنْ الشَّرِيعَةِ الَّتِي هِيَ أَكْمَلُ شَرِيعَةٍ طَرَقَتْ الْعَالَمَ؟ .

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 147
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست