responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 146
لَهَا عُقُوبَةً وَأَنَّ لَهَا إسْقَاطَهَا بِأَدْنَى الْحِيَلِ، وَلِهَذَا احْتَاجَ الْبَلَدُ الَّذِي تَظْهَرُ فِيهِ هَذِهِ الْحِيَلُ إلَى سِيَاسَةِ وَالٍ أَوْ أَمِيرٍ يَأْخُذُ عَلَى يَدِ الْجُنَاةِ وَيَكُفُّ شَرَّهُمْ عَنْ النَّاسِ إذَا لَمْ يُمَكَّنْ أَرْبَابُ الْحِيَلِ أَنْ يَقُومُوا بِذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ الَّتِي قَامَ النَّاسُ فِيهَا بِحَقَائِقِ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَحْتَاجُوا مَعَهَا إلَى سِيَاسَةِ أَمِيرٍ وَلَا وَالٍ، كَمَا كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُحَدُّونَ بِالرَّائِحَةِ وَبِالْقَيْءِ وَبِالْحَبَلِ وَبِظُهُورِ الْمَسْرُوقِ عِنْدَ السَّارِقِ، وَيَقْتُلُونَ فِي الْقَسَامَةِ، وَيُعَاقِبُونَ أَهْلَ التُّهَمِ، وَلَا يَقْبَلُونَ الدَّعْوَى الَّتِي تُكَذِّبُهَا الْعَادَةُ وَالْعُرْفُ، وَلَا يَرَوْنَ الْحِيَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ وَيُعَاقِبُونَ أَرْبَابَهَا، وَيَحْبِسُونَ فِي التُّهَمِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُ الْمُتَّهَمِ، فَإِنْ ظَهَرَتْ بَرَاءَتُهُ خَلَّوْا سَبِيلَهُ، وَإِنْ ظَهَرَ فُجُورُهُ قَرَّرُوهُ بِالْعُقُوبَةِ اقْتِدَاءً بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُقُوبَةِ الْمُتَّهَمِينَ وَحَبْسِهِمْ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ وَعَاقَبَ فِي تُهْمَةٍ، كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذِكْرِ ذَلِكَ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ مَا فِيهِ شِفَاءٌ وَكِفَايَةٌ وَبَيَانٌ لِإِغْنَاءِ مَا جَاءَ بِهِ عَنْ كُلِّ وَالٍ وَسَائِسٍ، وَأَنَّ شَرِيعَتَهُ الَّتِي هِيَ شَرِيعَتُهُ لَا يُحْتَاجُ مَعَهَا إلَى غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى غَيْرِهَا مَنْ لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمًا أَوْ لَمْ يَقُمْ بِهِ عَمَلًا.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَا فِي ضِمْنِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ الْمَفَاسِدِ وَالْمَأْمُورَاتِ مِنْ الْمَصَالِحِ يَمْنَعُ أَنْ يُشْرَعَ إلَيْهَا التَّحَيُّلُ بِمَا يُبِيحُهَا وَيُسْقِطُهَا، وَأَنَّ ذَلِكَ مُنَاقَضَةٌ ظَاهِرَةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ بَالَغَ فِي لَعْنِ الْمُحَلِّلِ لِلْمَفَاسِدِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ الَّتِي فِي التَّحْلِيلِ الَّتِي يَعْجِزُ الْبَشَرُ عَنْ الْإِحَاطَةِ بِتَفَاصِيلِهَا؛ فَالتَّحَيُّلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ بِتَقْدِيمِ اشْتِرَاطِ التَّحْلِيلِ عَلَيْهِ وَإِخْلَاءِ صُلْبِهِ عَنْهُ إنْ لَمْ يَزِدْ مَفْسَدَتَهُ فَإِنَّهُ لَا يُزِيلُهَا وَلَا يُخَفِّفُهَا، وَلَيْسَ تَحْرِيمُهُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي لَعْنِ فَاعِلِهِ تَعَبُّدًا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، بَلْ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ، بَلْ لَا يُمْكِنُ شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ وَلَا غَيْرُهَا مِنْ شَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ أَنْ تَأْتِيَ بِحِيلَةٍ؛ فَالتَّحَيُّلُ عَلَى وُقُوعِهِ وَصِحَّتِهِ إبْطَالٌ لِغَرَضِ الشَّارِعِ وَتَصْحِيحٌ لِغَرَضِ الْمُتَحَيِّلِ الْمُخَادِعِ.
وَكَذَلِكَ الشَّارِعُ حَرَّمَ الصَّيْدَ فِي الْإِحْرَامِ وَتَوَعَّدَ بِالِانْتِقَامِ عَلَى مَنْ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ التَّحْرِيمِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الْمُوجِبَةِ لِتَحْرِيمِهِ وَانْتِقَامِ الرَّبِّ مِنْ فَاعِلِهِ، وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ هَذِهِ الْمَفْسَدَةَ لَا تَزُولُ بِنَصْبِ الشِّبَاكِ لَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِلَحْظَةٍ، فَإِذَا وَقَعَ فِيهَا حَالَ الْإِحْرَامِ أَخَذَهُ بَعْدَ الْحِلِّ بِلَحْظَةٍ، فَإِبَاحَتُهُ لِمَنْ فَعَلَ هَذَا إبْطَالٌ لِغَرَضِ الشَّارِعِ الْحَكِيمِ وَتَصْحِيحٌ لِغَرَضِ الْمُخَادِعِ.
وَكَذَلِكَ إيجَابُ الشَّارِعِ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ وَطِئَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ جَبْرُ وَهْنِ الصَّوْمِ، وَزَجْرُ الْوَاطِئِ، وَتَكْفِيرُ جُرْمِهِ، وَاسْتِدْرَاكُ فَرْطِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 146
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست