responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 230
الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ صَحِيحٌ وَهُوَ سَبَبٌ لِلثَّوَابِ، وَقَدْ صَارَا مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْحَجِّ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَأَجْزَأَهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمَا إحْرَامٌ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّ غَايَةَ مَا وُجِدَ مِنْهُمَا مِنْ الْإِحْرَامِ أَنْ يَكُونَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، فَوُجُودُ الْإِحْرَامِ السَّابِقِ عَلَى الْعِتْقِ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْئًا بِحَيْثُ يَكُونُ عَدَمُهُ أَنْفَعَ لَهُ مِنْ وُجُودِهِ، وَتَفْرِيقُكُمْ بِأَنَّ إحْرَامَ الصَّبِيِّ إحْرَامُ تَخَلُّقٍ وَعَادَةٍ وَبِالْبُلُوغِ انْعَدَمَ ذَلِكَ فَصَحَّ مِنْهُ الْإِحْرَامُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِحْرَامُهُ إحْرَامُ عِبَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَصَحَّ إحْرَامُهُ مُوجَبًا فَلَا يَتَأَتَّى لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِمُوجَبِهِ فَرْقٌ فَاسِدٌ، فَإِنَّ الصَّبِيَّ مُثَابٌ عَلَى إحْرَامِهِ بِالنَّصِّ، وَإِحْرَامُهُ إحْرَامُ عِبَادَةٍ - وَإِنْ كَانَتْ لَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ - كَإِحْرَامِ الْعَبْدِ سَوَاءٌ.
وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ مَا جَمَعَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ بَيْنَهُ فَقُلْتُمْ: لَوْ قَالَ: " أَحِجُّوا فُلَانًا حَجَّةً " فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ النَّفَقَةَ وَيَأْكُلَ بِهَا وَيَشْرَبَ وَلَا يَحُجَّ، وَلَوْ قَالَ: " أَحِجُّوهُ عَنِّي " لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ النَّفَقَةَ إلَّا بِشَرْطِ الْحَجِّ، وَفَرَّقْتُمْ بِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَخْرَجَ كَلَامَهُ مَخْرَجَ الْإِيصَاءِ بِالنَّفَقَةِ لَهُ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ عَلَيْهِ بِالْحَجِّ، وَلَا حَقَّ لِلْمُوصِي فِي الْحَجِّ الَّذِي يَأْتِي بِهِ، فَصَحَّحْنَا الْوَصِيَّةَ بِالْمَالِ، وَلَمْ نُلْزِمْ الْمُوصَى بِمَا لَا حَقَّ لِلْمُوصِي فِيهِ، وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّمَا قَصَدَ أَنْ يَعُودَ نَفْعُهُ إلَيْهِ بِثَوَابِ النَّفَقَةِ فِي الْحَجِّ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ غَرَضُهُ لَمْ تَنْفُذْ الْوَصِيَّةُ، وَهَذَا الْفَرْقُ نَفْسُهُ هُوَ الْمُبْطِلُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَإِنَّهُ بِتَعَيُّنِ الْحَجِّ قَطَعَ مَا تَوَهَّمْتُمُوهُ مِنْ دَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ يَفْعَلُ بِهِ مَا يُرِيدُ، وَإِنَّمَا قَصَدَ إعَانَتَهُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ لِيَكُونَ شَرِيكًا لَهُ فِي الثَّوَابِ، ذَاكَ بِالْبَدَنِ وَهَذَا بِالْمَالِ، وَلِهَذَا عَيَّنَ الْحَجَّ مَصْرِفًا لِلْوَصِيَّةِ، فَلَا يَجُوزُ إلْغَاءُ ذَلِكَ وَتَمْكِينُهُ مِنْ الْمَالِ يَصْرِفُهُ فِي مَلَاذِّهِ وَشَهَوَاتِهِ، هَذَا مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ، وَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: " أَعْطُوا فُلَانًا أَلْفًا لِيَبْنِيَ بِهَا مَسْجِدًا أَوْ سِقَايَةً أَوْ قَنْطَرَةً " لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ الْأَلْفَ وَلَا يَفْعَلَ مَا أُوصِيَ بِهِ، كَذَلِكَ الْحَجُّ سَوَاءٌ.
وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ مَا جَمَعَ مَحْضُ الْقِيَاسِ بَيْنَهُمَا فَقُلْتُمْ: إذَا اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ قَالَ لَهُ: " أَنْتَ حُرٌّ أَمْسِ " عَتَقَ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا: " أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ " لَمْ تَطْلُقْ، وَفَرَّقْتُمْ بِأَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا كَانَ حُرًّا أَمْسِ اقْتَضَى تَحْرِيمَ شِرَائِهِ وَاسْتِرْقَاقِهِ الْيَوْمَ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَكَوْنُهَا مُطَلَّقَةً أَمْسِ لَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ نِكَاحِهَا الْيَوْمَ، وَهَذَا فَرْقٌ صُورِيٌّ لَا تَأْثِيرَ لَهُ أَلْبَتَّةَ، فَإِنَّ الْحُكْمَ إنْ جَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى سَبَبِهِ وَقَعَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَإِنْ امْتَنَعَ تَقَدُّمُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى سَبَبِهِ لَمْ يَقَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَمَا بَالُ أَحَدِهِمَا وَقَعَ دُونَ الْآخَرِ؟ .
فَإِنْ قِيلَ: نَحْنُ لَمْ نُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا فِي الْإِنْشَاءِ، وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا فِي الْإِقْرَارِ وَالْإِخْبَارِ، فَإِذَا أَقَرَّ بِأَنَّ الْعَبْدَ حُرٌّ بِالْأَمْسِ فَقَدْ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا الْيَوْمَ، فَعَتَقَ بِاعْتِرَافِهِ، وَإِذَا أَقَرَّ بِأَنَّهَا

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 230
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست