responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 226
وَقُلْتُمْ: لَوْ قَالَ: " لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ " وَقَالَ آخَرُ: " وَأَنَا لِلَّهِ عَلَيَّ أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ " لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْتَمَّ بِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُمَا فَرْضَانِ بِسَبَبَيْنِ، وَهُوَ نَذْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا يُؤَدَّى فَرْضٌ خَلْفَ فَرْضٍ آخَرَ، ثُمَّ نَاقَضْتُمْ فَقُلْتُمْ: لَوْ قَالَ الْآخَرُ: " وَأَنَا لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَوْجَبْتَ عَلَى نَفْسِكَ " جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْتَمَّ بِالْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ عَيْنَ مَا أَوْجَبَهُ الْآخَرُ عَلَى نَفْسِهِ، فَصَارَتَا كَالظُّهْرِ الْوَاحِدَةِ، وَهَذَا لَيْسَ يُجْدِي شَيْئًا، فَإِنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ مُخْتَلِفٌ كَمَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى سَوَاءٌ، وَهُوَ نَذْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى نَفْسِهِ، وَلَيْسَ الْوَاجِبُ عَلَى أَحَدِهِمَا هُوَ عَيْنُ الْوَاجِبِ عَلَى الْآخَرِ، بَلْ هُوَ مِثْلُهُ، وَلِهَذَا لَا يَتَأَدَّى أَحَدُ الْوَاجِبَيْنِ بِأَدَاءِ الْآخَرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ نَظِيرَ مَا وَجَبَ عَلَى الْآخَرِ بِنَذْرِهِ، فَالسَّبَبُ مُمَاثِلٌ، وَالْوَاجِبُ مُمَاثِلٌ، وَالتَّعَدُّدُ فِي الْجَانِبَيْنِ سَوَاءٌ، فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا تَفْرِيقٌ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ، وَخُرُوجٌ عَنْ مَحْضِ الْقِيَاسِ.
وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ مَا جَمَعَ النَّصُّ وَالْمِيزَانُ بَيْنَهُمَا، فَقُلْتُمْ: إذَا ظَفِرَ بِرِكَازٍ فَعَلَيْهِ فِيهِ الْخُمُسُ، ثُمَّ يَجُوزُ لَهُ صَرْفُهُ إلَى أَوْلَادِهِ وَإِلَى نَفْسِهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ، وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ عُشْرُ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَرْفُهُ إلَى وَلَدِهِ وَلَا إلَى نَفْسِهِ، وَكِلَاهُمَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ إخْرَاجُهُ لِحَقِّ اللَّهِ وَشُكْرِ النِّعْمَةِ بِمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الرِّكَازُ مَالًا مَجْمُوعًا لَمْ يَكُنْ نَمَاؤُهُ وَكَمَالُهُ بِفِعْلِهِ فَالْمُؤْنَةُ فِيهِ أَيْسَرُ كَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ أَكْثَرَ، وَلَمَّا كَانَ الزَّرْعُ فِيهِ مِنْ الْمُؤْنَةِ وَالْكُلْفَةِ وَالْعَمَلِ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الرِّكَازِ كَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ نِصْفَهُ وَهُوَ الْعُشْرُ، فَإِنْ اشْتَدَّتْ الْمُؤْنَةُ بِالسَّقْيِ بِالْكُلْفَةِ حُطَّ الْوَاجِبُ إلَى نِصْفِهِ وَهُوَ نِصْفُ الْعُشْرِ، فَإِنْ اشْتَدَّتْ الْمُؤْنَةُ فِي الْمَالِ غَيْرُهُ بِالتِّجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كُلَّ وَقْتٍ وَحِفْظُهُ وَكِرَاءُ مَخْزَنِهِ وَنَقْلُهُ خُفِّفَ إلَى شَطْرِهِ وَهُوَ رُبُعُ الْعُشْرِ، فَهَذَا مِنْ كَمَالِ حِكْمَةِ الشَّارِعِ فِي اعْتِبَارِ كَثْرَةِ الْوَاجِبِ وَقِلَّتِهِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْوَاجِبَ الْأَكْثَرَ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ مُؤْنَةً وَتَعَبًا وَكُلْفَةً لِأَوْلَادِهِ وَيَمْسِكَهُ لِنَفْسِهِ وَقَدْ أَضْعَفَهُ عَلَيْهِ الشَّارِعُ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ وَاجِبٍ فِي الزَّكَاةِ وَمَخْرَجُ الْجَمِيعِ وَإِيجَابُهُ وَاحِدٌ نَصًّا وَاعْتِبَارًا؟ فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا تَفْرِيقٌ بَيْنَ مَا جَمَعَتْ الشَّرِيعَةُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، وَفِي الرِّقَةِ رُبُعُ الْعُشْرِ» .
وَقُلْتُمْ: لَوْ أَوْدَعَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ مَالًا فَغَابَ عَنْهُ سِنِينَ ثُمَّ عَرَفَهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ارْتِجَاعِهِ مِنْهُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ دَفَنَهُ بِمَغَارَةٍ فَنَسِيَهُ، ثُمَّ نَاقَضْتُمْ فَقُلْتُمْ: لَوْ أَوْدَعَهُ مَنْ يَعْرِفُهُ فَنَسِيَهُ سِنِينَ ثُمَّ عَرَفَهُ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ تِلْكَ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ كُلِّهَا، وَالْمَالُ خَارِجٌ عَنْ قَبْضَتِهِ وَتَصَرُّفِهِ، وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى ارْتِجَاعِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ صَرَّحْتُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْمَغَارَةِ أَنَّهُ لَوْ دَفَنَهُ خَفِيَ مَوْضِعٌ مِنْهَا ثُمَّ نَسِيَهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ إذَا عَرَفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْمَغَارَةِ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 226
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست