responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 227
وَبَيْنَ الْمُودَعِ بِوَجْهٍ، ثُمَّ نَاقَضْتُمْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَقُلْتُمْ: لَوْ دَفَنَهُ فِي دَارِهِ وَخَفِيَ عَلَيْهِ مَوْضِعُهُ سِنِينَ ثُمَّ عَرَفَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِمَا مَضَى.
وَقُلْتُمْ: لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ شِيَاهٍ فَأَخْرَجَ ثِنْتَيْنِ سَمِينَتَيْنِ تُسَاوِي الْأَرْبَعَ جَازَ، فَطَرْدُ قِيَاسِكُمْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَقْفِزَةِ بُرٍّ فَأَخْرَجَ خَمْسَةً مِنْ بُرٍّ مُرْتَفِعٍ يُسَاوِي قِيمَةَ الْعَشَرَةِ الَّتِي هِيَ عَلَيْهِ جَازَ، وَطَرْدُهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ فَأَخْرَجَ بَعِيرًا يُسَاوِي قِيمَةَ الْخَمْسَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ صَاعٌ فِي الْفِطْرَةِ فَأَخْرَجَ رُبُعَ صَاعٍ يُسَاوِي الصَّاعَ الَّذِي لَوْ أَخْرَجَهُ لَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ أَنَّهُ يَجُوزُ، فَإِنْ طَرَدْتُمْ هَذَا الْقِيَاسَ فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ الْمَقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعُدُولِ عَنْهَا، وَلَزِمَكُمْ طَرْدُهُ فِي أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَأَعْتَقَ عُشْرَ رَقَبَةٍ تُسَاوِي قِيمَةَ رَقَبَةٍ غَيْرِهَا جَازَ، وَمَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمِائَةِ شَاةٍ فَتَصَدَّقَ بِعِشْرِينَ تَسَاوِي قِيمَةَ الْمِائَةِ جَازَ، ثُمَّ نَاقَضْتُمْ فَقُلْتُمْ: لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ أُضْحِيَّتَانِ فَذَبَحَ وَاحِدًا سَمِينًا يُسَاوِي وَسَطَيْنِ لَمْ يَجُزْ، ثُمَّ فَرَّقْتُمْ بِأَنْ قُلْتُمْ: الْمَقْصُودُ فِي الْأُضْحِيَّةَ الذَّبْحُ وَإِرَاقَةُ الدَّمِ، وَإِرَاقَةُ دَمٍ وَاحِدٍ لَا تَقُومُ مَقَامَ إرَاقَةِ دَمَيْنِ، وَالْمَقْصُودُ فِي الزَّكَاةِ سَدُّ خَلَّةِ الْفَقِيرِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْأَجْوَدِ الْأَقَلِّ كَمَا يَحْصُلُ بِالْأَكْثَرِ إذَا كَانَ دُونَهُ، وَهَذَا فَرْقٌ إنْ صَحَّ لَكُمْ فِي الْأُضْحِيَّةَ لَمْ يَصِحَّ لَكُمْ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الصُّوَرِ، فَكَيْفَ وَلَا يَصِحُّ فِي الْأُضْحِيَّةَ؟ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِي الزَّكَاةِ أُمُورٌ عَدِيدَةٌ مِنْهَا سَدُّ خَلَّةِ الْفَقِيرِ، وَمِنْهَا إقَامَةُ عُبُودِيَّةِ اللَّهِ بِفِعْلِ نَفْسِ مَا أَمَرَ بِهِ. وَمِنْهَا شُكْرُ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ. وَمِنْهَا إحْرَازُ الْمَالِ وَحِفْظُهُ بِإِخْرَاجِ هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْهُ. وَمِنْهَا الْمُوَاسَاةُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ لِمَا عَلِمَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَةِ رَبِّ الْمَالِ وَمَصْلَحَةِ الْآخِذِ. وَمِنْهَا التَّعَبُّدُ بِالْوُقُوفِ عِنْدَ حُدُودِ اللَّهِ وَأَنْ لَا يُنْقِصَ مِنْهَا وَلَا يُغَيِّرَ، وَهَذِهِ الْمَقَاصِدُ إنْ لَمْ تَكُنْ أَعْظَمَ مِنْ مَقْصُودِ إرَاقَةِ الدَّمِ فِي الْأُضْحِيَّةَ فَلَيْسَتْ بِدُونِهِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ إلْغَاؤُهَا وَاعْتِبَارُ مُجَرَّدِ إرَاقَةِ الدَّمِ؟ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْفَرْقَ يَنْعَكِسُ عَلَيْكُمْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ مَقْصُودَ الشَّارِعِ مِنْ إرَاقَةِ دَمِ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - بِأَجَلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ وَأَعْلَاهُ وَأَغْلَاهُ ثَمَنًا وَأَنْفَسُهُ عِنْدَ أَهْلِهِ، فَإِنَّهُ لَنْ يَنَالَهُ - سُبْحَانَهُ - لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا، وَإِنَّمَا يَنَالُهُ تَقْوَى الْعَبْدِ مِنْهُ، وَمَحَبَّتُهُ لَهُ، وَإِيثَارُهُ بِالتَّقَرُّبِ إلَيْهِ بِأَحَبِّ شَيْءٍ إلَى الْعَبْدِ وَآثَرَهُ عِنْدَهُ وَأَنْفَسَهُ لَدَيْهِ، كَمَا يَتَقَرَّبُ الْمُحِبُّ إلَى مَحْبُوبِهِ بِأَنْفَسِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَأَفْضَلِهِ عِنْدَهُ.
وَلِهَذَا فَطَرَ اللَّهُ الْعِبَادَ عَلَى أَنَّ مَنْ تَقَرَّبَ إلَى مَحْبُوبِهِ بِأَفْضَلِ هَدِيَّةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا وَأَجَلِّهَا وَأَعْلَاهَا كَانَ أَحْظَى لَدَيْهِ، وَأَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّنْ تَقَرَّبَ إلَيْهِ بِأَلْفِ وَاحِدٍ رَدِيءٍ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ.
وَقَدْ نَبَّهَ - سُبْحَانَهُ - عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة: 267] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177]

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 227
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست