responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتاوى الحديثية نویسنده : الهيتمي، ابن حجر    جلد : 1  صفحه : 209
فِي بعض الْأَوْقَات حَال يشبه أَحْوَالهم مَعَ تَقْصِيره فِي سَائِر أَحْوَاله لعلمه ببركة من حضر من الروحانيين وَمِمَّنْ تروحن من الْآدَمِيّين مَعَ السكينَة وَالرَّحْمَة الْعَامَّة عَلَيْهِم فيقهره حَتَّى يظْهر من بَاطِنه خفقان واضطراب فتحركت بِسَبَبِهِ الْأَعْضَاء الظَّاهِرَة بكيفيات لَا يَفْعَلهَا وَلَا يرضى بهَا بِاخْتِيَارِهِ بل وَلَا يقدر على فعلهَا فَهَذَا الْإِنْسَان هَل الْأَحْسَن فِي أمره أَنه مَتى استشعر هَذَا الْأَمر يخرج من ذَاك الْمَكَان أم التصبر فِيهِ كَيْفَمَا أظهره حكم الْوَقْت أم يفرق بَين أَن يكون مِمَّن تخنل الْحلقَة بِخُرُوجِهِ وَبَين غَيره فَإِن قُلْتُمْ إِن الْأَحْسَن التصبر والتلذذ بِمَا يحد من اللَّذَّة الَّتِي يحقر فِيهَا نعيم الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَهُوَ مَعَ ذَلِك بِحَيْثُ لَا يشْعر من نَفسه وَلَا من جِسْمه وَلَا من لِبَاسه شيأ إِلَّا أَنه يسمع الذّكر الَّذِي بِسَبَبِهِ حصل مَا حصل ويجد لَهُ لَذَّة إِذْ ذَاك فِي ذكر وَقد يشْعر بِالذكر وَالْقَوْل وَقد يغيب عَن الذّكر وَالْقَوْل وَقد يغيب عَن الْجَمِيع فَهَل تَعدونَ هَذِه الْحَالة من أَسبَاب الْحَدث قِيَاسا على الْإِغْمَاء أم لَا قِيَاسا على النعاس أم تَقولُونَ إِن ذهب الشُّعُور بِالْكُلِّيَّةِ فَهُوَ مُحدث كالمغمى عَلَيْهِ وَإِن كَانَ شُعُور مَا فَهُوَ متطهر كالناعس وَلِأَن الأَصْل الطَّهَارَة أم كَيفَ الحكم فَإِن هَذِه الْحَالة كَمَا لَا يخفى على بصائركم الناقدة وأذواقكم السليمة لَا تشبه هَذِه وَلَا تِلْكَ أجِيبُوا جَوَابا شافيا كَافِيا كاشفا نقلا وعقلا وذوقا لَا عدمناكم بصدور الْمجَالِس ظَاهِرين وبحل المشكلات قَائِمين وعَلى سَبِيل أَلْسِنَة الْبَيْضَاء سالكين وَإِلَى المطالب الْمَقْصُودَة واصلين آمين يَا رب الْعَالمين (فَأجَاب) بقوله رَحمَه الله ونفعنا ووالدينا ومشايخنا بأسراره وكملنا بباهر أنواره وطيبنا بعاطر أزهاره وأورثنا مَا أورثه من المعارف الإلهية وَالْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة والأنفاس المحمدية الأحمدية الْأَحْسَن لمن أَمن على نَفسه الرِّيَاء لما أَنَّهَا اتصفت وصفت عَن كدوراتها وعرت عَن شهواتها ومألوفاتها وتجلى عَلَيْهَا وَارِد الْحق وتحلت بِمَعْنى الصدْق فانقشع عَن سَمَاء سرها سحب الأكدار وتمزقت عَن عين بصرتها حجب الأغيار فأخلصت الوجهة إِلَيْهِ وَقَامَت بباهر الْأَدَب بَين يَدَيْهِ وَلم تشهد سواهُ وَلَا خطر بسرها إِلَّا إِيَّاه لوصولها إِلَى غَايَة مقَام الْإِحْسَان الْمُوجب لانضمام العيان إِلَى الْبُرْهَان أَن لَا يخرج نَفسه عَن هَذِه الحضرة الْعلية والمواهب الاختصاصية الزكية بل يستديم استجلاء تِلْكَ الْأَنْوَار واستكشاف هَذِه الْأَسْرَار حَتَّى يمتلئ الإهاب وَيسمع لذيذ الْخطاب وَيصير عينا من معينات الْحق الَّتِي أظهرها هِدَايَة للعباد وَأَيْضًا حالسبل الرشاد وَكَيف يسوغ لمن تأهل للموصول إِلَى هَذَا الطود الشامخ وَالْمقَام الباذخ وحقائق الإنافة ومعالي الْخلَافَة وشهود العيان والتبختر فِي سوابغ الامتنان أَن ينزل عَن معالي تِلْكَ الكمالات وعوارف هَذِه المنازلات إِلَى حضيض الْأَعْرَاض وَالْوُقُوف مَعَ دني الْأَغْرَاض بل عَلَيْهِ أَن يستسلم لما أَقَامَهُ فِيهِ الْحق من على عِبَادَته بَين أهل محبته وإرادته مستمطر إِمَّا يفتح بِهِ عَلَيْهِ من ينابيع الحكم والمعارف ومتهبا ومتأهلا لنفحات الْحق الَّتِي أمرنَا بالتعرض لَهَا لَيْلًا ونهار أَو سرا أَو إِظْهَارًا ومعرضا عَن قَول الوشاة القاصرين والطغاة المحجوبين سَوَاء اختلت تِلْكَ الحضرة بذهابه أَولا لما بَان وَظهر أَن الْمقَام أَحْرَى وَأولى وليحذر كل الحذر من النّظر إِلَى الْخلق فَإِن من نظر إِلَيْهِم بِعَين بصرء أَو بصيرته سَاءَ فعله وَحقّ طرده وكسف حجابه ودام عَذَابه وَلم يظفر من أَعماله إِلَّا بتمويه بَاطِل وَحَال حَائِل وَوصف مضمحل زائل وَحِينَئِذٍ تستولى عَلَيْهِ نَفسه وشيطانه فيلبسان عَلَيْهِ أَحْوَاله ويزينان عِنْده كَمَاله فتزل قدمه ويحق ندمه وَإِذا ثَبت هَذَا المريد أَو المُرَاد كَمَا أَشَرنَا متحليا بصدقه وتقواه إِلَى أَن استحكم فِيهِ ذَلِك الْوَارِد وَأخرجه عَن حيّز الصحو إِلَى غمرة تِلْكَ الْمَوَارِد فَتَارَة يضعف عَن قبُول أعباء مَا فاجأه من باهر الْأَنْوَار الْمُوجبَة لاستتار الْعقل بهَا أتم الاستتار فَيكون كالنائم بل هُوَ أَشد مِنْهُ استغراقا وَلَا شكّ حِينَئِذٍ فِي انْتِقَاض وضوئِهِ وَإِن لم يكن وفَاقا لزوَال الشُّعُور من أَصله بِوَاسِطَة مَا استولى على عقله لَكنا لَا نجعله كالإغماء لِأَنَّهُ مرض يستولى على الْعقل فيذهله ويعطل إِدْرَاكه ويخبله وَمن ثمَّ احْتَاجَ للعلاج غَالِبا وَلم يكن سهم من قَامَ بِهِ لغرضه صائبا وَأما الْغَيْبَة الَّتِي كلامنا فِيهَا فالعقل مَعهَا بَاقٍ على كَمَاله وَإِنَّمَا عرض لَهُ مَا يَقْهَرهُ فَأخْرجهُ عَن حيّز الِاعْتِدَال لاستغراقه فِي أنوار الشُّهُود وذهوله عَن الْوُجُود وَتارَة لَا يضعف عَن قبُول ذَلِك لإلفه تِلْكَ الْمَوَارِد وغوصه غمرة هَذِه المسالك فَحِينَئِذٍ لَا يغيب عَن إِدْرَاك عقله

نام کتاب : الفتاوى الحديثية نویسنده : الهيتمي، ابن حجر    جلد : 1  صفحه : 209
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست