responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتاوى الحديثية نویسنده : الهيتمي، ابن حجر    جلد : 1  صفحه : 185
إِنَّمَا يسْتَلْزم إِرَادَة وُقُوعه من الله غَضبا عَلَيْهِم لَا لإِرَادَة وُقُوعه مِنْهُم وَهَذَا لَا مَحْذُور فِيهِ وَجه فَهُوَ يكره وُقُوعه مِنْهُم لاشْتِمَاله على الْمَفَاسِد الَّتِي لَا تحصى ومخالفته لما أَمر الله بِهِ من دعايتهم إِلَى الْإِسْلَام وَيُرِيد وُقُوعه من الله بهم من حَيْثُ استلزامه لعذابهم وَوُقُوع عقابهم فِي مُقَابلَة مَا قابلوه بِهِ من مزِيد العناد والطغيان فالإرادة وَالْكَرَاهَة لم يتواردا على شَيْء وَاحِد حَتَّى يلْزم عَلَيْهِ مَا قَالَه الْعِزّ وَبنى عَلَيْهِ إشكاله الْمَذْكُور وَبعد أَن علمت اخْتِلَاف مَا بَين الحيثيتين ظهر لَك أَنه لَا إِشْكَال وَأَن غَايَة سُؤال مُوسَى لَيْسَ إِلَّا الدُّعَاء عَلَيْهِم بدوام الْعَذَاب على كفرهم المستصحب بِسَبَب عدم توفيقهم إِلَى الْإِسْلَام وَقَوله لَيْسَ الخ فِيهِ نظر وَمن أَيْن لَهُ الْجَزْم بِانْتِفَاء الْمُمَاثلَة بل يحْتَمل أَنه علم بِالْوَحْي عدم إِيمَانهم فَدَعَا عَلَيْهِم وَهَذَا هُوَ اللَّائِق بمرتبة النَّبِي سِيمَا مُوسَى عَلَيْهِ وعَلى نَبينَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِنَّهُ كَانَ عِنْده من الرَّحْمَة لِقَوْمِهِ الْغَايَة الْعُظْمَى كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِك نَبينَا مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - بقوله رحم الله أخي مُوسَى لقد أوذي بِأَكْثَرَ من هَذَا فَصَبر وَلَقَد ذكر الشَّيْخَانِ وَغَيرهمَا من أَئِمَّتنَا لَو قَالَ لمُسلم سلبه الله الْإِيمَان أَو لكَافِر لَا رزقه الله الْإِيمَان لَا يكون كفر إِلَّا أَنه لَيْسَ رضَا بالْكفْر وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاء عَلَيْهِ بتَشْديد الْأَمر انْتهى فَعلم أَن الدُّعَاء بدوام الْكفْر لَا يسْتَلْزم الرِّضَا بالْكفْر الَّذِي هُوَ الْمَكْرُوه بل وَلَا إِرَادَة الْكفْر من الْمَدْعُو عَلَيْهِ الَّتِي هِيَ كفر أَيْضا لما تقرر أَن الْقَصْد من هَذَا الدُّعَاء تَشْدِيد الْأَمر عَلَيْهِ دون أَمر زَائِد على ذَلِك فَإِذا كَانَ هَذَا فِي شرعنا غير كفر فَلَا يبعد أَن يكون مُبَاحا فِي شرع مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَلم أر أحدا من الْمُفَسّرين أَشَارَ لشَيْء من ذَلِك ثمَّ رَأَيْت أَبَا حَيَّان رَحمَه الله أَشَارَ لبَعض مَا ذكرته بِقَوْلِي وَقَوله الخ بل يحْتَمل أَنه علم بِالْوَحْي الخ فَقَالَ لما بَالغ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي إِظْهَار المعجزات وهم مصرون على العناد واشتدادهم عَلَيْهِ وعَلى من آمن مَعَه وهم لَا يزِيدُونَ على عرض الْآيَات إِ لَا كفرا وعَلى الْإِنْذَار إِلَّا استكبارا وَعلم بالتجربة وَطول الصُّحْبَة أَنه لَا يَجِيء مِنْهُم إِلَّا الغي والضلال أَو علم ذَلِك بِالْوَحْي من الله تَعَالَى دَعَا عَلَيْهِم بِمَا علم أَنه لَا يكون غَيره كَمَا يُقَال لعن الله إِبْلِيس وأخزى الْكَفَرَة وكما دَعَا نوح على قومه حِين أوحى إِلَيْهِ أَنه لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن (وَسُئِلَ) أدام الله النَّفْع بِهِ عَمَّا سَأَلَ الْعِزّ فِي أَمَالِيهِ أَيْضا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَفَمَن يخلق كمن لَا يخلق} حَيْثُ قَالَ الْعِزّ هَذَا مُشكل لِأَن قَاعِدَة التَّشْبِيه أَن يكون الْمُشبه دون الْمُشبه بِهِ وَهَذَا وَارِد إنكارا عَلَيْهِم فِي تشبيههم الْأَصْنَام بِاللَّه عز وَجل لقَوْله تَعَالَى {يحبونهم كحب الله} فَكَانَ يقتضى أَن يُقَال أَفَمَن لَا يخلق كمن يخلق وَلَا يُقَال إِنَّهُم كَانُوا يعظمون الْأَصْنَام أَكثر من تَعْظِيم الله تَعَالَى لِأَن الْأَمر لَيْسَ كَذَلِك بل قَالُوا {مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى} وَلَا يتم لنا فِي هَذِه الْآيَة الْجَواب الَّذِي فِي قَوْله تَعَالَى {أفنجعل الْمُسلمين كالمجرمين انْتهى فَمَا الْجَواب (فَأجَاب} بقوله أجَاب عَن ذَلِك الْمُفَسِّرُونَ بِأَنَّهُ من عكس التَّشْبِيه وَهُوَ مَوْجُود فِي كَلَام الْعَرَب وَمِنْه قَوْله تَعَالَى حِكَايَة {إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا} شبهوا الْمجمع على حلّه بالربا الْمجمع على تَحْرِيمه وَلم يعكسوا تَنْزِيلا لما يَفْعَلُونَهُ من الرِّبَا بِمَنْزِلَة الأَصْل المماثل لَهُ البيع وَمن ذَلِك أَيْضا قَول ذِي الرمة:
(كَانَ ضِيَاء الشَّمْس غرَّة أَحْمد)
الْبَيْت إِذا تقرر ذَلِك فهم لمبالغتهم فِي كفرهم وعتوهم فِي عنادهم شبهوا الله تَعَالَى عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ والجاحدون علوا كَبِيرا بأصنامهم وَنَحْوهَا من كل مَا عبدوه من دون الله تَعَالَى تَنْبِيها مِنْهُم بذلك على أَنهم لما عِنْدهم من عَظِيم الْإِشْرَاك بِهِ جَعَلُوهُ من جنس الْمَخْلُوقَات المعجزة تَشْبِيها بهَا وَمن ثمَّ بَالغ تَعَالَى فِي الْإِنْكَار عَلَيْهِم مُشِيرا إِلَى أَنهم فِي ذَلِك بالبهائم أشبه فَقَالَ {أَفلا تذكرُونَ} عَظِيم فَسَاد هَذَا الْوَاقِع مِنْكُم فَإِن فَسَاده من أجلى البديهيات فضلا عَن الضروريات وَلذَلِك كَانَ كَأَنَّهُ حَاصِل فِي عُقُولهمْ مركوز فِي أفهامهم لكِنهمْ آثروا عَلَيْهِ أهويتهم الْبَاطِلَة وآراءهم الخالية فغفلوا عَنهُ وَلَو التفتوا إِلَيْهِ بعقولهم أدنى الْتِفَات لأدركوه وَكَانَ كالحاضر عِنْدهَا بِأَدْنَى تذكر والتفات وَمن ثمَّ قيل لَهُم {أَفلا تذكرُونَ} لأنكم لَو تذكرتم أدنى تذكر لم تَقولُوا ذَلِك إِذا تقرر ذَلِك علم الْجَواب عَمَّا قَالَه الْعِزّ وَأَن هَذَا إِنَّمَا جَاءَ على خلاف الْقَاعِدَة الَّتِي ذكرهَا لِأَن قصد قَائِله الْمُبَالغَة فِي إثارة مدعاه فعكس الطَّرِيق الجادة حَتَّى يحصل لَهُ تِلْكَ الْمُبَالغَة الْمَذْكُورَة كَمَا تقرر وَقَوله وَلَا يُقَال الخ مَمْنُوع بل كَانُوا على فرق مِنْهُم من يعظم صنمه أَكثر من تَعْظِيم الله وَمِنْهُم من يعكس فَهَذَا وَارِد فِي حق الْأَوَّلين وَقَوله تَعَالَى عَنْهُم {مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى}

نام کتاب : الفتاوى الحديثية نویسنده : الهيتمي، ابن حجر    جلد : 1  صفحه : 185
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست