نام کتاب : الأحكام السلطانية نویسنده : الماوردي جلد : 1 صفحه : 248
عَدَدٍ حَتَّى دَانَتْ لَهُمْ الْعَرَبُ، فَصَدَقَتْ الْمَخِيلَةُ الْأُولَى فِي الرِّيَاسَةِ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ سبحانه نَبِيَّهُ رَسُولًا، فَصَدَقَتْ الْمَخِيلَةُ الثَّانِيَةُ فِي حُدُوثِ النُّبُوَّةِ فِيهِمْ، فَآمَنَ بِهِ مَنْ هُدِيَ وَجَحَدَ مَنْ عَانَدَ، وَهَاجَرَ عَنْهُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ اشْتَدَّ بِهِ الْأَذَى حَتَّى عَادَ ظَافِرًا بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ مِنْ هِجْرَتِهِ عَنْهُمْ.
وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي دُخُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ، هَلْ دَخَلَهَا عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا، مَعَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَغْنَمْ مِنْهَا مَالًا، وَلَمْ يَسْبِ فِيهَا ذُرِّيَّةً، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ إلَى أَنَّهُ دَخَلَهَا عَنْوَةً فَعَفَا عَنِ الْغَنَائِمِ، وَمَنَّ عَلَى السَّبْيِ، وَإِنَّ لِلْإِمَامِ إذَا فَتَحَ بَلَدًا عَنْوَةً أَنْ يَعْفُوَ عَنْ غَنَائِمِهِ، وَيَمُنَّ عَلَى سَبْيِهِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ دَخَلَهَا صُلْحًا عَقَدَهُ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ، كَانَ الشَّرْطُ فِيهِ أَنَّ: "مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ كَانَ آمِنًا، وَمَنْ تَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ"[1].
إلَّا سِتَّةَ أَنْفُسٍ اسْتَثْنَى قَتَلَهُمْ وَلَوْ تَعَلَّقُوا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُمْ، وَلِأَجْلِ عَقْدِ الصُّلْحِ لَمْ يَغْنَمْ وَلَمْ يَسْبِ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إذَا فَتَحَ بَلَدًا عَنْوَةً أَنْ يَعْفُوَ عَنْ غَنَائِمِهِ، وَلَا يَمُنَّ عَلَى سَبْيِهِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تعالى وَحُقُوقِ الْغَانِمِينَ، فَصَارَتْ مَكَّةُ وَحَرَمُهَا حِينَ لَمْ تُغْنَمْ أَرْضَ عُشْرٍ إنْ زُرِعَتْ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُوضَعَ عَلَيْهَا خَرَاجٌ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ وَإِجَارَتِهَا، فَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ بَيْعِهَا وَأَجَازَ إجَارَتَهَا فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَجِّ، وَمَنَعَ مِنْهُمَا فِي أَيَّامِ الْحَجِّ لِرِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَكَّةُ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ بَيْعُ رِبَاعِهَا وَلَا أُجُورُ بُيُوتِهَا" [2]. [1] لم أقف عليه بهذا اللفظ. [2] رواه ابن أبي شيبة في مصنفه "14679".
قال الحافظ ابن حجر: رواه الدارقطني والحاكم من حديث أبي حنيفة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبي نجيح عن عبد الله بن عمر رفعه: إن الله تعالى حرم مكة، فحرام بيع رباعها وأكل ثمنها، وقال: من أكل من أجر بيوت مكة شيئًا فإنما يأكل نارًا، وفي رواية الدارقطني: مكة حرام وحرام بيع رباعها وحرام أجر بيوتها.
قال الدارقطني: وَهِمَ أبو حنيفة في قوله ابن يزيد، وإنما هو ابن أبي زياد، وهو القداح وفي رفعه، وإنما هو موقوف، ثم أخرجه من طريق عيسى بن يونس عن عبيد الله بن أبي زياد كذلك. انتهى، وقد رواه القاسم بن الحكم عن أبي حنيفة فقال عن عبيد الله بن أبي زياد، فالوهم فيه من محمد بن الحسن راوية أولًا =
نام کتاب : الأحكام السلطانية نویسنده : الماوردي جلد : 1 صفحه : 248